قبل أن أبدا في موضوع اليوم , أود أن أشير سريعا إلى ما يمكن أن أصفه بأنه حالة من الدهشة الصاعقة , فخلال وجودي هذه الأيام في قريتي بمنطقة الباحة , فقد رأيت أن أسعار الأراضي قد صارت " نارا " حقيقية ولم أتوقع أن حمى أسعار الأراضي في المدن , قد نفثت حممها إلى القرى البعيدة , حتى رأيت ذلك بنفسي , فقد وصلت قطعة الأرض التي تكاد تصلح لبناء بيت واحد - هنا في القرية – إلى حوالي نصف مليون ريال , ولا يمكن أن تجد قطعة صغيرة بأقل من " 250 " ألف ريال ويقول عدد من العقاريين أن الأسعار مرشحة ل "الطيران" ولا أمل في أن تتوقف فضلا عن أن تهبط , وينصحون بأن من كان تحت يده حاليا " قرشين" فإن عليه أن يبادر بالشراء قبل أن يجد نفسه غدا أمام أسعار فلكية , في ظل الطلب المتزايد على الأراضي من ناحية , وفوضى سوق العقار الذي يخضع بالأساس لعامل العرض والطلب فقط , وفي ظل منطقة جبلية وعرة شحيحة في الأراضي المستوية , التي تصلح لأن يتم بناء بيوت عليها , وسط زيادة نمو سكاني متزايد ينذر بأزمة سكن حقيقية , في المنطقة للأجيال القادمة . وأعود إلى موضوع هذا الأسبوع وهو ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمنزلية وما في حكمها , وهو الغلاء الذي لم يعد خافيا على احد , ولا جديد فيه , حتى أن احد الزملاء قد هاتفني في منتصف رمضان , يشكو من نفاد الراتب في هذا الوقت الحرج من الشهر , الذي ستلحقه مناسبة العيد بكل متطلباتها الأسرية , ووسط موجة عارمة من الغلاء , أكلت الأخضر واليابس. الجديد - فيما اعتقد - في هذه المسألة الغريبة العجيبة , والتي من فرط عجبها يمكن لأحدنا أن ينفجر من الضحك - وشر البلية ما يضحك – هو ما قرأته أنا وغيري من تقرير جديد , صادر عن البنك السعودي الفرنسي , يقول التقرير ( إنه على الرغم من تراجع أسعار المواد الغذائية عالميا ، خلال الستة أشهر الأولى من 2010، إلا أنها ارتفعت في السعودية بنحو 2.5% ) وتوقع التقرير مواصلة أسعار السلع الغذائية ارتفاعها خلال شهر رمضان وحتى نهاية 2010، بسبب ارتفاع الطلب والعادات الاجتماعية المتعلقة بالشهر الفضيل. ( وقال كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي جون سفاكياناكس في مقابلة مع قناة العربية إن أسعار المواد الغذائية في السعودية تتخذ منحىً تصاعدياً منذ عدة أشهر رغم انخفاض هذه الأسعار في السوق العالمية، وهذه الظاهرة يجب التصدي لها ). إذن الجديد هو أن مؤشر الأسعار عندنا يسير بشكل معاكس لكل العالم طبقاً لما تراه عيوننا وطبقاً لتقرير البنك أعلاه وان كنت هنا اختلف مع التقرير السابق في جزئية واحدة صغيرة منه , وهي : ( بسبب ارتفاع الطلب والعادات الاجتماعية المتعلقة بالشهر الفضيل ) وأقول اختلف لأن كل بلدان العالم الإسلامي , وأولها الدول المجاورة لنا في الخليج , حيث نتماثل معهم في زيادة الصرف في رمضان والعيد , وهي بالمناسبة زيادات ليست ضخمة ولكنها مرتفعة نوعا ما. وأقول اختلف لأن من الطبيعي انني كمواطن لابد أن أزيد مصروفي الشهري في رمضان , وان اشتري لأسرتي ملابس العيد وحاجياته التقليدية العادية فهل يعني كل ذلك " مبررا " لزيادة الأسعار , بل أن شئت فقل تفشي الغلاء , وفوضى الأسعار ؟.السؤال موجه إلى وزارة التجارة والى الكثير من تجارنا الكبار الذين تعودوا منذ زمن بعيد , إن يغردوا لوحدهم خارج السرب ؟ .