كثيرة هي حكايتنا مع شهر الصوم الفضيل ، بعضها سعيد ، وبعضها يثير في النفس الشجون ، ولا أخال أحدنا إلا ويتذكر بداياته ، وشقاوات بعضنا في الأيام الأول منه ، وكيف كان هذا يخاتل أمه ليشرب من الزير أو من الحنفية أو من الثلاجة في زماننا كما يفعل صغارنا وأحفادنا ، ثم ينكس فرحاً مع أن أمه قد سطت بها ضحكة دفينة مغلفة بالشفقة والرحمة ، إلا أنها لاتظهرها حتى تتبدل لديه الصورة فيكبر على الصيام كما يجب ، وكيف كانت إحدى بناتنا أو أخواتنا الصغيرات تحاكي أمها في التسربل بروحانية هذا الشهر وكأنها تفاحة يانعة معلقة على غصن شجرة يتظلل بها المجتمعون والمجتمعات في حلقات ذكر الرحمن العظيم ، لتأخذنا إلى رحمة الله بعباده وتيسيره على الصائم حال صحته وسقمه وشهوته . صور تلفني بعبق تلك الأيام لبدايات صومي تقبل الله جل في علاه منا ومنكم المعشوشبة بالبراءة ومكابدة الجوع والعطش من أجل لقيمات كانت تعدها أمي عافاها الله من كل عله أو شوربة لا تمثل على السفرة إلا في شهر رمضان أو شربة ماء من القربة المشنوقة إلى سارية السقيفة ، وفي ومضة من حركة الحياة اليوم وإذا بي أمام روحانية شاردة ، أو مشردة في حقيقة الأمر ، روحانية مفتعلة إلا من رحم ربي ، كتب الله لنا ولكم منها مايشفع لنا بها عنده سبحانه ، فالمساجد ، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم تلفها الأصوات المتعالية بترانيم الأئمة لجمع أكبر عدد من المصلين خلفهم حتى لاتكاد تميز أيها صوت إمامك ، فكيف بباقي ساعاتنا في نهار رمضان وليلته ، نقضيها مابين النوم ، أو ملاحقة طلبات أفواه وأرانب تتضور جوعاً من تعب الراحة ، ومسابقات تداعب الحالمين بالخروج من الفقر المادي مع أن فقر الروح وفراغ الهمم أشد فتكاً وأخطر على النفس والبدن ، ومسلسلات أعدت في مطبخ فتنة الجسد ، وانتزاع الضحكة المخنوقة طوال العام ، وآخر هم من يعدها أن تستذكر خلقاً حميداً أو همة مسحولة منذ عقود ، حتى تلك البرامج التي يعدها من نحسبهم على خير والله حسيبنا وحسيبهم ، برعوا في جلد الذات ، كما أسهموا في تكبيلنا بمثل مكتوبة وصور من الماضي حتى يكاد من يتابعهم يشك في أن تعود ، ولكي لا أزيد الطين بله ، أكتفي بعبارة كان يجيب بها صديق في العمل ، عندما نطلب منه مشاركتنا في شرب الشاي أيام الفطر ، فيمتنع ، نسأله وما الذي يمنعك يقول : صائم عن الشر ، وهي إجابة على بسطاتها ، إلا أن معانيها كثيرة ، فالصيام عندما كتبه الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين جعل أجره بينه وبين عبده يجزي به ، أو كما قال النبي الحبيب محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) متفق عليه واللفظ للبخاري . فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، وتقبل منا على تقصيرنا ، اللهم آمين .