عقل الموهوب العربي لا يختلف عن عقل الياباني أو الأمريكي أو غيره من شعوب العالم المتقدم، لكن مستوى التعليم والبيئة الاستثمارية للعقول هو الذي يختلف، فالتعليم المتطور وبيئة استثمار الطاقات هما الأرضية الخصبة لاكتشاف المواهب وتنميتها واستثمارها. ومنذ سنوات طويلة ونحن نقرأ عن براءات الاختراع التي يحصل عليها سعوديون من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لكن لا شيء يحدث لهؤلاء بعد الحصول على البراءة، إذ لا توجد جهة تتبنى هذه الاختراعات لتحويلها إلى إنتاج تجاري يحمل البصمة السعودية للمخترع والمستثمر. ولهذا تموت هذه الاختراعات وتذبل مواهب أصحابها الذين يتحولون إلى باحثين عن عمل يحولهم إلى أرقام عادية في طابور الموظفين في الأرض. معرض ابتكار 2010 الذي تنظمه مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهبة والإبداع (موهبة) ويقدم 92 موهوبا من أصحاب الابتكارات أو الاختراعات يعد خطوة جيدة في طريق تشجيع الموهبة والإبداع، وهؤلاء الاثنين وتسعين عقلا ليسوا سوى أنموذج لعشرات بل مئات المواهب السعودية القادرة على التميز والابتكار، لكنهم يحتاجون إلى تلك البيئة الخصبة التي يتمتع بها نظراؤهم في العالم المتقدم لكي يجدوا مواهبهم وقد ترجمها مجتمعهم إلى واقع حي يعيشونه ويعيشه الناس من حولهم، مما يحفزهم للمزيد من التألق والعطاء ويشحذ عقول غيرهم ويدفعهم إلى كشف وتقديم ما لديهم من مواهب وقدرات نادرة. لقد كان اصطحاب وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله وهو يفتتح المعرض لإنسان آلي (robot) مؤشرا واضحا له دلالاته العميقة على ما فعله غيرنا في استثمار مواهب وعقول أبنائهم، وكأني بسمو الوزير يرسل رسالة غير مباشرة فحواها أننا نريد ابتكارات أبنائنا أن تتحول إلى واقع يمشي على أرضنا مثلما يمشي هذا الإنسان الآلي الذي لولا البيئة الخصبة التي استثمرت إبداع من ابتكره لما أصبح دليلا حيا على حضارة اليابان التي غزت العالم بابتكاراتها. رسالة الأمير غير المباشرة تحتاج إلى ترجمة حية لمواهب أبنائنا تتجاوز احتفاليات المعارض - على الرغم من أهمية هذه المعارض- إلى مستوى التبني وتحويلها إلى أدوات إنتاج فاعلة حية في اقتصاد المعرفة الذي يعد أنجح أنواع الاقتصاد وأقواها استمرارا وأفضلها ضمانا لمستقبل الأمم على الإطلاق. فهذا النوع من الاقتصاد هو الثروة الحقيقية التي لا تنضب أبد الدهر لأن منبعه الإنسان، وتنمية الإنسان أصعب أنواع التنمية لكنها ممكنة، فهذا الإنسان هو الذي أخرج اليابان من تحت الرماد وجعل اقتصادها المعرفي يهدد أصحاب قنبلة هيروشيما في عقر دارهم، وجعل العالم كله ينبهر بإنسانهم الآلي الذي يتبختر في حفلات العالم وعلى شاشات تلفزيوناتهم منتشيا بالعقل الذي أنتجه وأنتج وسائل العرض والتسويق التي تقدمه، ومن سار على دربهم وصل لِما وصلوا، وربما تفوَق إن توفرت له قوة الإرادة وجودة الإدارة.