تمتاز المنطقة الجنوبية بصفة عامة من الطائف حتى نجران بجو معتدل نسبيا على مدار العام، حيث الغيوم وهطول الأمطار الموسمية في فصل الشتاء، واعتدال المناخ في فصل الصيف، الذي يجذب السواح .. والطيور المهاجرة حسب النعت المتداول حديثا في المنطقة... لقضاء العطلة السنوية. ومنطقة الباحة على وجه الخصوص كانت منطقه زراعية حتى قلت الأمطار، وجفت الآبار، وبادت الأشجار التي كانت تزين الأودية بمناظرها الجميلة، وتفي بحاجة أهلها من محاصيلها الموسمية. والمطر عند أهل المنطقة شيء محبب لدرجة أن أول ما يسأل السائل عن المطر.. والمياه.. وغالبا ما يكون الرد... ( ياجي الله بالخير) وهطول الأمطار الاخيرة على المنطقة من بشائر الخير، وهي بدون شك رحمة تبعث الأمل لدى القلة المتبقية من المزارعين بعد انتظار طال أمده، ومن الملفت للنظر أن تغير نمط الحياة الذي شهدته المنطقة منذ نصف قرن من الزمن تقريبا، غير من احتياجات السكان الاستهلاكية للمياه ولم تعد مياه الآبار - لو وجدت - تفي بالغرض كما كان الوضع في الماضي عندما كانت «القربة» من المقومات الأساسية والوسيلة الوحيدة لسقيا البيت من البئر، تحمل على الأكتاف، وكان الترشيد تحكمه الضرورة، بسبب ما يترتب على جلبه من قاع البئر، ونقله إلى البيت. وفي حالة المناسبات فالجيران والأقارب يشاركون بقربهم في توفير الماء اللازم لأداء المهمة. أما في عصرنا الراهن فاختفت «القربة» ومعها المعاناة، وتضاعف استهلاك المنازل من الماء عشرات المرات. والمشاريع التي يتم تنفيذها حاليا في المنطقة مثل جلب المياه المحلاة من البحر، وبناء السدود في عدد من المواقع تعِد بالخير. كما أن هطول الأمطار مؤخراً.. رغم الأضرار التي نتجت عنها.. سيكون لها آثار إيجابية على منسوب المياه في المنطقة. ورغم صلاحية الأراضي، وخصوبة التربة، إلا أنه من غير المتوقع أن تعود الزراعة على ما كانت عليه في الماضي لعدة أسباب منها: صغر المساحات، وبعد الأهالي عن الاشتغال بالزراعة، وعدم الجدوى الاقتصادية، لمن يرغب في الاستثمار. ولهذا سَتنحصر الاستفادة في مزارع أسرية صغيرة - إذا توفرت المياه - لا تغطي جزءا يسيرا من مصاريفها. إلا أن المنطقة ستظل مقصداً سياحياً واعداً، يحتاج لتوفير خدمات جاذبة للزوار وتفي بحاجة السكان تمشيا مع التوسع في المرافق العلمية مثل الجامعة والمعاهد الأخرى. وقد شاهد الجميع الاهتمام والحرص من قبل الجهات المعنية بتوجيه وإشراف مباشر من قبل المسؤولين في المنطقة، وعلى رأسهم سمو أمير المنطقة وسمو نائبه حفظهما الله. وفي مقال سابق كنت قد أثرت الحاجة لوجود حديقة فطرية في المنطقة تعنى بالنباتات الموجودة وتكون معلما سياحيا كبيرا به خدمات متكاملة يستطيع المقيم والسائح قضاء فترة من الزمن للفسحة حسب حاجته وإمكانياته ويتعرف مع أسرته على أنواع النباتات وبعض الحيوانات الأليفة التي توجد بالمنطقة، وتكون مقصدا لطلاب المدارس ليتعرفوا على مكونات البيئة الفطرية وتشجيعهم على الاهتمام بالبيئة من الصغر. ولازلت على أمل أن تقوم أمانة بلدية الباحة بتبني مثل هذا المشروع إما عن طريق طرحه للاستثمار أو جعله من ضمن المشاريع السياحية بالتعاون مع كل الجهات المعنية في منطقة الباحة والمحافظات التابعة لها . وبالعودة إلى عنوان المقال فإن الأمطار ليست بغريبة على المنطقة ولكنها في هذا العام هطلت بغزارة تختلف عن ما ألفه السكان خلال السنوات الماضية، يضاف إلى ذلك أن الطرق والجسور، والعبارات، التي استحدثت في الفترة الأخيرة، ربما أثرت على مجاري السيول الطبيعية، وهي بدون شك تحتاج لصيانة دورية لتلافي الأضرار التي قد تحصل من جراء هطول الأمطار الموسمية. إن التفاؤل بهطول الأمطار والاستعدادات لمواسمها من العادات المألوفة في المنطقة حيث تحمل معها بشائر الخير والبركة.. جعلها الله سقيا رحمة لا سقيا عذاب.. ونفع بها البلاد والعباد، إنه على ما يشاء قدير .