النفاق ليس جلباباً يلبسه المرء فيراه الناس ويعرفونه به ، وليس له لون يتميز به المرء عمّا سواه ، ولكنه مرض يحل في القلوب فيحيلها إلى مضغة منتنة سوداء متفحمة.لا تهدأ على حال، ولا تقرّ على قرار مذبذبة يشتت الله سعيها ويضل طريقها حتى لا يدري صاحبها ما يقول وما يفعل.ومن أشد أنواع النفاق ذلك النفاق الذي يكون في العقيدة ، لأنه يصادف كياناً شامخاً مستقراً شاملاً للحياة كلها فأين ما يذهب المنافق يجد الدين أمامه ، فتزداد مساحة النفاق وتكثر السبل وتتفرق بالمنافق حتى تضيق عليه منافذ الحياة فلا يدري ما يفعل. إن الكاتب إذا لم يكن نزيهاً فإن كتاباته تفضح سريرته مهما حاول التستر وإخفاء الحقيقة ، وبعض الأقلام تتصيد وقائع أو أخطاء عادية تحدث من أشخاص بسبب اجتهاد خاطئ قد يحدث لأي إنسان وتتصيد أنباءً قد تكون غير دقيقة عن الهيئة مثلا.ولكنها لاتلتفت إلى جرائم بشعة فلا تحرك ساكناً تجاهها وكأن ذلك الفعل مما يحمد مثله. قبل أسابيع قامت أجهزة الشرّ والدمار في إسرائيل بتجهيز وتجييش عدد كبير من الرجال والنساء من مختلف الأعمار والمهن لاغتيال القيادي العسكري في حركة حماس الفلسطيني محمود المبحوح في دبي ، ولأن أجهزة الموساد في إسرائيل لديها الخبرة الواسعة في الاغتيالات وطرق الإرهاب فقد أمعنت في التضليل والتزييف بأن جعلت هؤلاء القتلة من عدة جنسيات وذلك زيادة في الحرص على تنفيذ إرهابها واغتيالاتها بدقة متناهية . ولأن هذا الحدث جريمة بكل المقاييس والمعايير والقوانين والأعراف الدولية فهو انتهاك لسيادة دولة عربية ونشر الذعر والخوف في قلوب الناس في كل مكان طالما يد العدوان الإسرائيلي تستطيع أن تمتد إلى هذه المساحة لتقوم بالاغتيال . ومع أن هذا الحدث قد استأثر باهتمام كثير من وكالات الأنباء وتناقلته أجهزة الإعلام الرسمية والعادية بكل وسائلها ، وكان محل اهتمام لكثير من الكتاب في كثير من الدول ، إلا أن هذا الخبر لم يجد العناية والاهتمام به بعض اقلام ركزت على نقد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمطالبة بإلغاء هذه الجهاز . ولم يكن خبر اغتيال المبحوح - وهو مسلم يجاهد من أجل وطنه - عندهم ذات أهمية ولم يشعل الحماس في قلوبهم كما تشتعل حينما يكون الأمر متعلقاً بنقد هيئة تقوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قال عنها النائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية : \" إن جهاز هيئة الأمر بالمعروف قد كشف (70%) من مجموع الجرائم التي تم اكتشافها في المملكة \" ولسنا هنا بصدد استعراض منجزات الهيئة ، ولكن مجرد مقارنة بما يبدو في بعض الانتقادات لهذا الجهاز والسكوت عن هموم الأمة والوطن الكبيرة . وليتهم قد أعطوا اغتيال المبحوح بعض اهتمامهم. يقول الله تعالى:\"وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ\" يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : \"أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه , وهو المراد من لحن القول وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :\"ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله تعالى جلبابها إن خيراً فخير وإن شراً فشر\" وقال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه : \" ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه.