لابد أن نقدّر \"الحرج\" الذي جعل الشيخ عبدالله الجوير مدير الإدارة العامة للمحاماة بوزارة العدل يقول للصحف \"لن تكون مهنة المرأة في المحاماة تمثل عملاً للمرأة بين الرجال وأنها ستؤدي وظيفتها بضوابط المحاكم الشرعية لدخول النساء في أروقتها\"، فالوزارة وجدت أنه لا مبرر لعدم إمكانية إعطاء المرأة رخصة محاماة للترافع أمام الأجهزة القضائية، لكن \"بعبع\" الاختلاط انتصب فوراً، فاستدركت الوزارة وقالت إن الرخصة مقيدة بالترافع عن المرأة فقط، فاحمرّت عينا \"البعبع\" من باب التدقيق، فأضافت الوزارة أن المرأة المحامية ستؤدي وظيفتها بضوابط المحاكم الشرعية لدخول النساء في أروقتها، وأتصور لو تطاير الشرر من عيني \"البعبع\" لقالت الوزارة إن المحاميات لن يقابلن القضاة، وإنما سيترافعن عبر الهاتف، أو عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة، أو حتى من بيوتهن! قلت لابد أن نقدر \"الحرج\" الذي أفضى إلى هذا، مع أنني أعرف أن الاختلاط المباح غير الخلوة المحرمة، ومع أنني قرأت ما كتبه وزير العدل الدكتور محمد العيسى الذي أكد أن مصطلح \"الاختلاط\" دخيل على قاموس الشرع، وأن أفق الإسلام أسمى من هذا كله وأكثر احتياطاً وتحفظاً وغيرة على محارم الله. كما أنني قرأت آراء مجموعة من العلماء وبعضهم أعضاء في هيئة كبار العلماء تؤكد ما ذهب إليه الدكتور العيسى وما يعرفه المسلمون على مر العصور من جواز الاختلاط وحرمة الخلوة بالشروط التي تصون الاختلاط وتؤكد الخلوة، لكن مع ذلك كله، لابد أن نتذكر أن باب سد الذرائع الذي فتح منذ عقود كان تحريم الاختلاط مطلقاً أول داخليه، وقد نما وترعرع وكبر حتى أصبح حكماً قطعياً لا يقبل النقاش في ظل صمت مطبق ممن يرون أنه مصطلح دخيل على قاموس الشرع، وحين تحدث هؤلاء وجدوا أنفسهم غرباء في بيئة لم تعرف غير التحريم طيلة ما لا يقل عن ثلاثة عقود دون تفكير أو نقاش. إنني هنا لا أبرر لوزارة العدل محاصرتها وتقييدها للمحاميات السعوديات بهذه الشروط التي يصعب إن لم يكن يستحيل تطبيقها، لكنني أصف حالاً موجودة جعلت \"بعبع الاختلاط\" عضواً رئيساً في كل لجنة وكل خطة وكل مشروع يتعلق بعمل المرأة، وهو \"بعبع\" صنعه ورباه المجتمع لا الشرع على مدار عقود، وهذا المجتمع نفسه يحتاج عقوداً حتى يتخلص من سطوته، ولذلك لابد أن نلتمس العذر ونقدر الحرج الذي يقف خلف الشروط التعجيزية التي أصبحنا نقرأها مع السماح للمرأة بالعمل في مختلف الحقول، فهي شروط مطلوبة لكف أذى \"البعبع\" ومحاولة لتنويره بخطأ وجوده من خلال واقع الحياة الملتزمة بشرع الله المنزهة عما حرم الله فعلاً ممارساً لا تهيؤات واحتمالات.