لم يعد مفاجئاً ولا غريباً أن تتمكن أجهزة الأمن السعودية من ضبط مخازن أسلحة وذخيرة للإرهابيين في بلادنا، أو القبض على عناصر إرهابية في هذه الشبكات الممتدة والمتجذرة بين الداخل والخارج، أقول لم يعد مفاجئاً ولا غريباً لأن هذا أمر متوقع من جهتين، من جهة وجود هذه الشبكات الإرهابية بخلاياها المتعددة وتجهيزاتها التسليحية المختلفة، ومن جهة يقظة رجال الأمن ونجاحاتهم المشهودة في الكشف والقبض، وتشكيل درع وقائي لحماية الوطن من شرورهم، ونواياهم السيئة. هذا أمر واضح، كما أن أهداف هؤلاء الإرهابيين التخريبية والتدميرية التي يمهدون بها لهدفهم الأكبر في الوصول إلى السلطة أصبحت واضحة، وكذلك الآلية التي طبقوها منذ عقود مستغلين فيها الدين للتغرير وتجنيد النشء لصفوفهم أصبحت واضحة، غير أنه مع كل هذا الوضوح فإن ما قيل منذ سنوات من أن وزارة الداخلية وحدها في هذا الميدان يبدو أنه ما زال ساري المفعول حتى هذه اللحظة. ولعله أصبح ملحوظاً بوضوح أن المجتمع كله ينتبه لخطر الإرهاب مع كل نبأ تعلنه وزارة الداخلية عن كشف خلية أو القبض على عناصر إرهابية أو كشف مخبأ أسلحة لهم، فنقرأ أو نسمع عبارات الشجب والاستنكار والتنديد، ثم ما تلبث الأمور أن تهدأ ويخبو وهجها وكأن الخطر زال نهائياً، وهذه الحال من الطمأنينة هي الرداء المخاتل التي ينتهزها مخططو الإرهاب ومنظروه لاستئناف نشاطهم بفعالية وفق آليات جديدة ما تلبث أن تسفر عن خلايا جديدة بوجوه جديدة واستعدادات جديدة، ولغة وأسلوب جديدين. إن الإرهاب هو الخطر الأعظم المستمر، المتربص ببلادنا من داخلها وخارجها، ومنبعه الأساس – كما هو معروف – فكري يستغل الدين لأغراض سيئة أسوأ استغلال، ويوظف نصوصه المختلف فيها وحولها أسوأ توظيف لتحقيق أغراضه، ولا بد لمواجهته من استراتيجية فكرية شاملة قوية مستمرة تنتظم كل وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم، ومنابر التوجيه والوعظ وألا تكون مرهونة بكشف خلية هنا أو هناك أو ضبط عناصر أو كشف مخابئ، فهذه كلها على الرغم من نجاعتها وأهميتها ليست سوى أعراض لخطر الإرهاب الذي تأسس فكرياً عبر عقود، ولا بد لاجتثاثه فكرياً من عقود مفعمة بجهد فكري عميق وجريء لا يقل قوة ويقظة عن الجهد الأمني في مكافحة أعراضه. الإرهاب أخطر وباء يواجه الوطن على الإطلاق.