هناك من الصحفيين من يهوى الطرافة، وصياغة الاخبار الخفيفة التي لا تضر، ولا تنفع، ولا يأتي من وراء كتابتها مشاكل او متاعب، وتكون - حديث الناس - نظرا لطرافتها من جهة وغرابتها من جهة. وأحتفظ في ذاكرتي ب "مجموعة " من هذه الأخبار منها خبر عن اربعة شبان كانوا في نزهة على الكورنيش عندما طارت رؤوس ثلاثة منهم في الهواء. والعنوان كان يحمل هذا المضمون وكان مثيرا للغاية وبمجرد القراءة تعرف ان الرؤوس الثلاثة كانت باروكات يرتديها الشبان اثناء نزهتهم وأنها طارت بسبب فتح نوافذ السيارة وشدة السرعة والهواء المحرك من جميع الجهات فتضحك - إذا اردت ان تضحك - وتكتئب - اذا لم تستطع ان تضحك - والضحك والاكتئاب هنا يشبهان بعضهما البعض. صحفي آخر طبخ على نار هادئة حدثا طريفا وغريبا وعجيبا لا احد يعرف دوافعه وأسبابه وأهدافه وأغراضه. استدعى مصورا هاويا وارتدى احلى ملابسه وبحث عن حفرة متوسطة العمق وجلس داخلها وطلب من المصور اخذ لقطة له في هذا الوضع، وبعث بالصور للجريدة مع خبر غاية في الطرافة والغرابة تحت عنوان: عريس يسقط في حفرة ليلة زفافه! وكما نشر خبر "الرؤوس الطائرة" نشر خبر العريس الذي سقط في الحفرة ليلة الزفاف، ونال كل خبر ما هو مناسب له وجدير به فخبر الرؤوس الطائرة - مثلا - كانت الاثارة فيه في العنوان فقط بينما خبر العريس كانت الاثارة في العنوان وفي المضمون وبالذات - الصورة - التي تعتبر دليلا ماديا على صحة الخبر - وواقعيته وأمانته! والواقع والحقيقة والأمانة ان الخبر المدعوم بالصورة كان اقل واقعية وامانة من الخبر غير المدعوم بالصورة لكنه في المفهوم العام - مكتمل البناء صحفيا - لذلك لقي حظه في النشر والابراز وبصفة عامة نسي الصحفيون المتابعون للخبرين احداث الخبر الاول واحتفظوا بواقع الخبر الثاني لأسباب لا تخفى على فطنة القارئ القريب من عالم الصحفيين! ومن الكذب الصحفي "الطريف" ما نشره احد الصحفيين الجدد - أيامها - من اكتشافه لشخص امضى ثماني سنوات دون ان يتناول وجبة واحدة فانهالت علينا التليفونات تسأل وتستفسر عن هذا الشخص الذي عاش ثماني سنوات بدون أكل ويتمتع بصحة جيدة، ويذهب على قدميه للعمل، ويزور اقاربه، ويلتقي بأصدقائه، ويعيش حياة عادية تماماً. وطلبت من الزميل الذي أحضر (الخبر المدوي) ان (يحاور) الرجل أكثر، ويعرف منه حقيقة وضعه مع الأكل، وأبلغه الرجل انه لا يتناول سوى (الخبز، والبيض المسلوق، وقليل من الجبنة، والزيتون في فترتي الصباح، والمساء، واحياناً يأكل بالخطأ - كما يقول - كبسة خفيفة إذا كان مدعوًّا لمناسبة، ومعنى كبسة خفيفة انه لا يتعمق كثيراً بين الشحم، واللحم، ويكتفي بالطبقة العليا من (تبسي الكبسة).. ويمتنع اذا هبطت الطبقة العليا على السفلى، وان الشخص كان يريد طبيباً نطاسيا يفتح الطريق أمامه للأكل المفتوح (المحشي، والمقلي، والمطجن، والمدجن) بجميع ألوانه، وأنواعه ولذلك نقل مشكلته للصحيفة الغراء. وبعدها بفترة قصيرة احضر نفس الزميل خبراً ثانياً بعنوان (مواطن يكتشف بئر بترول أمام بيته). وتم استدعاء المختصين ليكتشفوا ان خزان محطة الوقود المجاورة لبيت هذا المواطن يتسرب منه بعض الوقود فتكتسي الأرض التي أمام بيت المواطن بقطرات منه (يشمها) المواطن ذهاباً، واياباً، وعندما أبلغ بعض أقاربه نصحوه أولاً بتسريب (الحدث) لأحد الصحفيين فقد يشتهر هو، وربما يصبح من ذوي الأملاك والعقارات إلى جانب الشهرة، وبعد أن ابلغوه بالحقيقة المرة - بالنسبة إليه - قرر ان يغادر هذا السكن، ويذهب لسكن آخر بعيداً عن (تسربات البنزين، ومشتقاته).