في خطبة عيد الفطر الماضي، تناول معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد قضية مهمة جداً هي العمل التطوعي معدداً محاسنه وأفضاله في الدنيا والآخرة، مشيداً بأولئك الذين يبذلون من أوقاتهم وجهودهم لخدمة الآخرين على مستويات متعددة. الموضوع مهم، لكن الأهم منه توفر القنوات التطوعية الكافية، بل والملائمة لرغبات معظم الناس ولقدراتهم ولمواهبهم ولاستعداداتهم الجسدية والنفسية والعقلية. ويدرك معالي الشيخ أن العمل التطوعي في الغرب تحديداً مرتبط بمؤسسات المجتمع المدني (غير الربحية غالبا)، وأن هذا الموضوع قد أشبع بحثاً في أروقة مجلس الشورى الموقر عندما كان رئيساً له، وربما اطلع معاليه على المقترح الجديد الذي لم يتجاوز الصورة الكربونية التي تعتمدها عادة وزارة الشؤون الاجتماعية لمؤسسات العمل الخيري التي هي باختصار شديد تقليدية جداً لا تناسب معظم فئات المجتمع ولا ترقى إلى طموحاتهم. وأكاد أجزم بأن إصرار مجلس الشورى على الاستمرار في هذا التوجه الذي عفا عليه الزمن سينتهي إلى نظام جامد رتيب لا يفي بتطلعات المجتمع ولا يسد حاجاته من العمل التطوعي غير الحكومي، بل ولا يساعد على إبداع أفكار جديدة ولا اعتماد مبادرات متنوعة بعيداً عن الآلية التقليدية الحالية التي أصابها التكلس لطول عمرها وجمود موادها. وليت أن معالي الدكتور يسهم في رسم معالم المؤسسات التطوعية التي يمكن أن تسهم في دعم أعمال القضاء بما يحقق رضا عموم المجتمع ولا يعطل مصالح أفراده. وأكاد أجزم أن هناك من أعمال الخير المتمثلة في الإصلاح بين الناس، ومساعدة الضعفاء من الجهلة والنساء والأطفال على استعادة حقوقهم، فهؤلاء عادة ما يخوضون قضايا غير متكافئة مع خصومهم العتاة. لسنا بحاجة إلى إعادة اختراع العجلة، فقد سبقنا الغرب إلى ذلك، فأصدر تنظيمات راقية تدفع إلى العمل التطوعي ولا تكبله، وتسمح به ولا تمنعه، وشجّع أفراده وجماعاته على إنشاء مؤسسات قوية تشد من عضد المجتمع وترفع من قيمة التكافل بين أفراده، وتستثمر أوقات المتطوعين منهم في مئات بل ألوف الأعمال الخيرية المتنوعة. دعونا بسم الله نبدأ، وعليه نتوكل، وإليه نلجأ.