منهج التشدد في الدين يفشل مرة أخرى ياسر العجوري - الاردن أثبتت أحداث غزة الأخيرة التي جرت في مخيم رفح بين تنظيم جند أنصار الله وبين حركة حماس فشل خط التشدد الديني الذي تنتهجه بعض الحركات الإسلامية ، والتي تصنف الناس إما مؤمن وإما كافر ، هذا النهج وان كان ظاهره الدفاع عن الإسلام فانه بعيد كل البعد عن الفهم الصحيح للإسلام هذا الفهم الذي نستنبطه من آيات القران الكريم ومن الأحاديث الصحيحة التي وردت عن الحبيب المصطفى والذي يقوم على التوسط في كل شيء في الفكر وفي السلوك ، فليس عبثا قوله تعالى (( وكذلك جعلناكم امة وسطا )) ولم يأتي قول المصطفى عليه السلام (( خير الأمور أوسطها )) من فراغ ، إن إقامة الدولة الإسلامية هو مطلب كل إنسان مؤمن ومن لم تحدثه نفسه بذلك فقد مات على شعبة من النفاق ، لكن طريقة وآلية إقامة هذه الدولة هي محط الخلاف بين الجماعات الإسلامية ، فمن هذه الجماعات من يرى إن اسلمة المجتمع هي خير وسيلة لتحقيق هذه الغاية ، ومنهم من يرى إن طلب النصرة والعمل على الإطاحة بالحكام هي خير وسيلة ، واخطر هذه الجماعات على الإطلاق من يرى إن تكفير المجتمع وحمل السلاح هي الوسيلة الأنجع لتحقيق إقامة الدولة الإسلامية ، وقد ثبت فشل هذا النوع من الجماعات في أكثر من مكان في مصر والجزائر وفي أفغانستان وغيرها من الدول ، لكن ويا للأسف يبدو إن القائمين على أمرها لا يأخذون العظة والعبرة ممن سبقهم . ويصرون على تفسير آيات القران والأحاديث النبوية تفسيرا ظاهريا ويؤولونها عن معناها الصحيح المراد منها ، ابتغاء تدعيم أرائهم الفكرية الضالة ، ولا يقدرون عواقب أفعالهم وتكفيرهم للناس ، ولا يعلمون أنهم ينشرون الفتنة بين جماعة المسلمين ويخرجون عن النهج القويم ، ولنكن واقعيين لا عاطفيين ، هل يجيز لهم الشرع إعلان الدولة الإسلامية دونما تحقق شروط هذه الدولة ؟ والذي في اقلها كما قال علماء السياسة الشرعية هو قدرة هذه الدولة على حماية نفسها وحماية من يدخل في حلفها ، مستندين في شرطهم هذا إلى عدم إعلان الرسول عليه السلام للدولة الإسلامية في مكة وتأجيل الإعلان إلى ما بعد الهجرة إلى المدينة حيث قويت شوكت المسلمين وأصبح لديهم القدرة على حماية الدولة والدفاع عنها ، ثم ما هي شروط الخليفة الذي يتولى الإمارة سواء من الناحية الشرعية أو من جهة قدرته على إدارة أمور الدولة فهل الطبيب الذي أعلن الإمارة في رفح يملك من العلم الشرعي ما يؤهله ليصبح أمير المؤمنين ، أم إنها العاطفة الجياشة والجهل المطبق بالفقه الإسلامي بشكل عام وفقه السياسة الشرعية بشكل خاص ، إن تغليب العاطفة الدينية على صوت العقل ورأي الشرع في مثل هذه الأمور يأتي بنتائج عكسية ، ويحق لنا إن نطبق عليه القول المأثور من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ، تاريخ الحركات الإسلامية حافل بهذا الخطأ – أي الاستعجال - فالإخوان المسلمين في سوريا استعجلوا أمرهم ونشروا سياراتهم المسلحة في شوارع حماة في بداية الثمانينات من القرن الماضي ، لتنقلب ارض حماة عليهم وتصبح جحيما كما وصفها مؤلف كتاب حماة مأساة العصر الذي فصل في وصف مأساة الإخوان في حماة ، والجماعة الإسلامية في مصر والجزائر على حد سواء استعجلتا التمرد العسكري ، الذي استغلته الأجهزة الحكومية هنالك لتعمل فيهما القتل والتشريد والاعتقالات ، وليست ارض الرافدين عنا ببعيد فتشدد القاعدة في قطع رؤوس الناس وتفجير الحسينيات أدى إلى ثورة مؤيدي القاعدة قبل معارضيها عليها ، وحكم طالبان في أفغانستان الذي شدد على الناس أمور دينهم ودنياهم بخلاف قول الرسول لأصحابه ( بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا ) فلم يدم حكمها إلا قليلا . إنها دعوة صادقة مخلصة من إنسان مسلم يحب كما ملايين المسلمين إن يروا حاكمية شرع لله تعود من جديد في كل مناحي الحياة ، لكن بالطريقة التي تجعل الناس في شوق لهذه الحاكمية لا بالطريقة التي تنفر الناس منها ، لا لخلل فيها لا سمح الله لكن لأخطاء يرتكبها أصحاب الدعوة ومن ينصبون أنفسهم ولاة على دين الناس يكفرون من يشاءون ويمنحون صكوك الغفران لمن يشاءون ، إنها دعوة إلى التوسط في الدعوة إلى دين الله وعدم التشدد أو الانجرار وراء العاطفة أو الاغترار بأشخاص لا يملكون من العلم الشرعي إلا اليسير . رحم الله كل من قتل في فتنة رفح فقد اجتهدوا واخطئوا غفر الله لهم وهدى من بعدهم من المسلمين . وأوصيكم بالتوسط في أمور دينكم ودنياكم فان الوسطية في شرع الله هي الحبل المنجي من كل مهلكة .