الأجندة مختلفة. الاختلاف شديد الوضوح بين «حماس» وبين «فتح» الفلسطينيتين، ولست هنا بصدد البحث في بذور النشأة لكل منهما، لكن «مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير فلسطين» كانا ومازالا القاسم المشترك ليس للمنظمتين فقط، وإنما لكل الفصائل الفلسطينية الأخرى، وتحت هذا القاسم أو الشعار الأول والأكبر قامت ومازالت تقوم مذابح واتهامات وشتائم بين شركاء المصير وأشقاء الشعار والهدف. فساد «فتح» الإداري والمالي أفضى إلى فوز «حماس» بالانتخابات، وليس عشق الجماهير الفلسطينية لفكر «حماس» أو منهجها وشعاراتها. «حماس» حين فازت لم تستثمر فوزها للقضية لأنه أصلاً لم يكن فوزاً لتنظيم فلسطيني مستقل بذاته، كان الفوز تحقيقا لحلم «تنظيم الإخوان المسلمين» في السلطة و«حماس» ذراع التنظيم في فلسطين، وكان متناغماً مع حلم «ولاية الفقيه» في طهران وحزبها في لبنان، وهذا بحث يطول، إذ له جذوره ومنطلقاته وأهدافه العالمية. المهم أن «حماس» ترجمت أجندتها في الواقع، فغاب القاسم المشترك أو الشعار الأعظم وقررت أن تنظف فلسطين أولاً من المسلمين الذين لا يؤمنون بفتاوى المرشد العام للإخوان، ولا يعتقدون بولاية الفقيه، وكان أقواهم المنتمين إلى منظمة «فتح» ومن هنا بدأت الحرب الداخلية، وبدأ المصلحون يتدخلون، وتدخل المصلحين جاء ويجيء دائماً في ضوء القاسم المشترك أو الشعار الأعظم المتمثل في «مقاومة إسرائيل وتحرير فلسطين» ولذلك يجيء بحلول سياسية سواء كانت منطقية مقبولة أو العكس، لكن الطرفين المتحاربين مشكلتهما ليست سياسية، المشكلة بوضوح «أيديولوجية» متدثرة بغطاء سياسي لم يعد يستر أحداً، ف«الحماسيون» يقتلون «الفتحاويين» وغيرهم إعداماً بالسلاح أو رمياً من شواهق طلباً للجنة، و«الفتحاويون» يقتلون دفاعاً وطلباً للحياة. وهكذا تدور الدوامة. إنني أتصور أن على «فتح» بمناسبة مؤتمرها التاريخي، أن تعيد النظر في وضعها الداخلي وتصلح بيتها أولاً، وتجتث فسادها الإداري والمالي ثم تنتقل بعد ذلك إلى الخطوة الثانية وهي حل أزمتها مع «حماس» على أساس «أيديولوجي» معلن وواضح، وليس سياسياً، فهي إن استمرت في المصالحات السياسية ستظل تلك المصالحات كما هي الآن تتقدم خطوة إلى الأمام، وتتأخر عشراً إلى الخلف، لا بد أن يعلم العالم كله والعرب في المقدمة أن المشكلة «أيديولوجية» وليست سياسية أبداً، وإذا أمكن لفتح أن تتفاوض أولاً مع المرشد العام للإخوان ومع الولي الفقيه قبل خالد مشعل وهنية فإنها ستقطع أكثر من نصف المشوار إلى الحل. أما التفاوض مع إسرائيل فليكن المرحلة أو الخطوة الثالثة والأخيرة، إذ لا يمكن أن يتم التفاوض مع عدو خارجي، والأشقاء يتقاتلون في الداخل. رسالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للرئيس الفلسطيني أبومازن جاءت لتذكير الفريقين بكارثية ما يحدث بينهما من شقاق هو أخطر وأعمق من العدو المتربص المستريح الآن، بل المستمتع بالفرجة على ما يحدث بين الأشقاء، وتذكر باتفاق مكة ومواثيقه المغلظة، وتعلي من شأن القاسم المشترك والشعار الأعظم والهدف الأسمى وهو قيام دولة فلسطين، لكن هذا كله لا يجدي ولن يجدي، ما لم يجلس الطرفان على طاولة واحدة موضوعها الوحيد «الأيديولوجيا» التي يؤمن بها ويناضل من أجلها كل طرف، تحت إشراف وتحكيم علماء مسلمين محايدين يعرفون حقيقة الخلاف، ويعلنونه، ثم يعلنون الحكم النهائي فيه، أما الغمغمة في المسألة، وأما نشر المزيد من الأغطية السياسية التي تشف ولا تستر، فإن من شأنهما استمرار «القتل» والشقاق بين طرفين مسلمين أحدهما يقتل معتقداً أنه يطلب الجنة والآخر يقتل طالباً للحياة، وشتان بين الفهمين والمعتقدين. شتان بين الأيديولوجيتين.