في لقاء بعض الكتاب الصحفيين بالأستاذ / نظمي النصر (أثناء تعريفه بمراحل إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية)، ذكر سعادته بأن سؤالا مهما كان يتردد على مسامعهم في كل زيارة قاموا بها لجامعات أمريكية عريقة: هل المملكة حقاً مهيأة لاستضافة جامعة متقدمة بهذه المواصفات والشروط؟ لم يكن السؤال عن المباني والتجهيزات بقدر ما هو عن الفلسفة والآليات، وعن النظم واللوائح، وعن الرؤى والأفكار. ولذا يقول الأستاذ نظمي إن ميثاق الجامعة كان حاضراً في كل زيارة يقومون بها، مؤكدين أنه ميثاق وُضع ليطبّق، وكُتب ليكون دستوراً للجامعة لا مجرد نصوص ميتة لا وزن لها كما هو الحال في كثير مما تعلمون. ومما جاء في ميثاق الجامعة تمتعها باستقلالية كاملة وذات شخصية قانونية وذمة مالية، وأنها كبقية الجامعات المتقدمة لها غطاء عريض هو مجلس الأمناء كما لها غطاء علمي متنوع الأطياف والأعراق هو المجلس الاستشاري، وما عدا ذلك فلا مرجعية أخرى ولا بيروقراطيات متعددة تصل حد التضاد أحياناً. وانطلاقاً من هذه الفلسفة العريقة جاء هذا النص ضمن أدبيات الجامعة الناشئة: (سوف يتمتع أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بدرجة عالية من الحرية الأكاديمية، وسيعملون مع قيادة الجامعة في تطوير البرامج التعليمية والبحثية في جامعة الملك عبد الله..). هذه الحرية الأكاديمية هي بيت القصيدة بالنسبة للأكاديمي الذي يعشق عمله تدريساً وبحثاً واطلاعاً، لا تقيده تعليمات بيروقراطية ولا إجراءات شكلية ولا قرارات مفاجئة، ولذلك تبدع جامعات الغرب وتتراجع جامعات أخرى. هناك يضعون العربة دائماً خلف الحصان كي ينطلق بها مسرعاً غير وجل ولا هياب. وفي المنظومة العربية تُوضع العربة في المقدمة ثم يُجبر الحصان على دفعها. وربما فعل لأمتار قليلة لينتهي به الحال مقعداً كسيحاً متردداً. الأمل كبير بأن تقدم جامعة الملك عبد الله نموذجاً مختلفاً لكيفية إدارة الأفكار ولآلية صنع القرار، كما سترسم لنا جميعاً خطة عمل واضحة لمعنى التمتع بالاستقلالية الكاملة والحرية المسؤولة والانضباط الأكاديمي.