الأمر الطبيعي، بل والمطلوب أن يتطور التعليم العالي في بلادنا، وأن تتدارك الجامعات الجديدة سلبيات الجامعات العريقة التي بدأت في السنوات الأخيرة هي الأخرى تعيد النظر في سلبياتها التي وقعت فيها، وتقيس مستوى خريجيها من الجنسين مع ما يتطلبه سوق العمل من جهة، وما تتطلبه هذه المرحلة الحضارية الراهنة في مضمار سباق الأمم والشعوب نحو العلوم الحديثة التي هي مفاتيح التطور وأسرار النهوض، من غير تنكر للثوابت، أو تجاهل لمميزات الخصوصية. وتبعاً لهذا فإن خدمة وحفظ الدين الإسلامي العظيم ليست مرهونة بفتح كلية شريعة جديدة، أو إغلاق كلية أصول دين هناك، فهو في الأصل دين محفوظ مخدوم بأمر الله ومشيئته \"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون\"، وهو في التطبيق والممارسة محفوظ مخدوم على أيدي المسلمين، قبل أن تلد كليات الشريعة، وبعد زوالها، فطالما الأذان يصدح خمس مرات في أكثر من سبعين ألف مسجد في بلادنا، وهناك ملايين المؤمنين الذين يتلون القرآن في كل صلاة، ويعملون بقاعدة \"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً\" ويتعاملون وفق مبدأ \"الجسد الواحد\"، و\"عامل الناس كما تحب أن يعاملوك\"، فإن التطبيق السليم والممارسة النقية الخادمتين للدين مستمرتان قائمتان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، هذا عدا مظاهر الخدمة الأخرى المستمرة من مواد الدين في المدارس، ومدارس وحلقات التحفيظ، ومنابر الوعظ، وطباعة المصحف والرسائل والمنشورات التي تجدها في كل إدارة ومستشفى ومدرسة وطريق. مدير جامعة القصيم الدكتور خالد بن عبدالرحمن الحمودي، قال ل\"عكاظ\" يوم الثلاثاء الماضي إنه تم إيقاف القبول في كلية أصول الدين وفي أقسام التاريخ والجغرافيا وعلم النفس، مرجعاً سبب ذلك إلى اكتفاء سوق العمل من الخريجين في هذه التخصصات. وقبله بيومين قال الدكتور محمد آل هيازع مدير جامعة جازان إن عدم وجود حاجة في سوق العمل لخريجي الشريعة وأصول الدين حال دون افتتاح كلية لهما حتى الآن وإن افتتاح كلية للشريعة ضمن الخطة المستقبلية وإن فتح الكليات ليس من صلاحية الجامعة وإنما من صلاحيات مجلس التعليم العالي الذي يرأسه... وماذا عن القضاء يا دكتور؟ أليست سوق عمل تحتاج المزيد من الخريجين في الشريعة؟ يجيب الدكتور الحمودي\"جامعة القصيم تجري مراجعة للخطة الدراسية في كلية الشريعة بهدف مواكبة مخرجاتها لسوق العمل، وليحصل الخريجون على وظائف مناسبة، والجامعة تركز على مزج الدراسة النظرية مع الخبرة العلمية، مع إضافة مناهج الأنظمة القضائية الجديدة ضمن تخصصات الكلية وتدريب الطلاب عملياً في القطاعات التي سيعملون فيها مستقبلاً\". أعتقد أن كلام الدكتور الحمودي عين العقل ولب العلم، والمأمول أن يكون هذا ما يجري لكليات الشريعة وغيرها من الأقسام النظرية في الجامعات الأخرى العريقة والحديثة تلافياً لبطالة الخريجين التي أصبحت واضحة بين خريجي \"أصول الدين، والتاريخ، والجغرافيا، وعلم النفس\" الذين تشبعت بهم السوق الوظيفية الحكومية، وفاضت، أما في القطاع الأهلي فلا حاجة ولا مكان لهم لا اليوم ولا غداً. المتسائلون والمحتجون على إغلاق أو تقليص هذه التخصصات وعدم فتح أقسام أو كليات جديدة لها، فريقان، فريق بريء هدفه نبيل، أمثال الشيخ الفاضل الدكتور صالح الفوزان، وهذا الفريق يسهل إقناعه بالعقل والمنطق والواقع، من خلال الإحصائيات الدقيقة والموثقة عن بطالة خريجي الجامعات ومنهم خريجو الشريعة، وأصول الدين، ومعظم الأقسام النظرية الأخرى الذين لا يجدون عملاً لا في الحكومة ولا القطاع الخاص، ومن خلال شرح فوائد التخصصات العلمية الجديدة وفوائدها المستقبلية الجمة على البلاد والعباد، إذ لا أحد يريد البطالة لأحد تحت أي مبرر، وفريق لا أستطيع أن أتهمه بالتغرير لغيره، أو مجرد البلبلة الله أعلم بالنيات، لكن أفعال بعضهم لا تنسجم مع بعض ما يكتبون أو يقولون من احتجاج على هذا الوضع، إذ تجد الواحد من هذا البعض \" يتوسط بطوب الأرض\" كما يقولون لإلحاق ابنه أو ابنته ببعثة أو بكلية الطب أو الهندسة أو العلوم أو الحاسب الآلي في إحدى الجامعات المحلية خوفاً عليهم من بطالة المستقبل وهو محق في هذا لكنك تتعجب منه حين تراه مجلجلاً يكتب أو يقول أو يخطب: كيف تقلص الكليات أو لا تفتح كليات جديدة للعلوم الشرعية، وبعضهم يتجاوز إلى التشكيك حتى في نوايا المراجعة المنطقية للخطط والمناهج التي أشار إليها الدكتور الحمودي، فماذا نسمي مثل هؤلاء؟ لا تسموهم، ادعوا لهم بالهداية فقط، فما دامت الأمور مكشوفة وواضحة للجميع، فلا مشكلة بإذن الله.