توقفت عند نقطة تفتيش عادية، فسألني رجل الأمن: لماذا لم تربط حزام الأمان؟ فخجلت، كنت مخطئا فعلا واستحق العقوبة، فقلت: آسف، كنت مستعجلا فنسيت. قال: وأنا آسف، ليس في النظام مكان لهذه ال\"آسف\" وكان محقا حين مد يده لتناول \"بوك المخالفات\" لكن عاطفته غلبته فارتكب خطأ أكبر من خطئي وسامحني واكتفى بالقول لا تنسه مرة أخرى، فشكرته وربطت الحزام وواصلت طريقي. هو يعتقد أن فعله \"توعية جيدة\" وأنا كذلك لكن لو عاقبني بألف وليس مئة ريال لكانت التوعية أعمق وأبلغ فلن أنسى الحزام بعدها أبدا. الخطأ حين يكون متعمدا يخرج من باب الخطأ ويدخل باب الجريمة وكلمة الجريمة متوحشة، ومفزعة لكنها درجات، تبدأ بعدم التزام المرء بالنظام – أي نظام – وتتصاعد حتى تصل درجة القتل أو ما هو أشنع. ولهذا فإن الخطأ لا أحد يعاقب عليه في الدنيا كلها، فهو ليس جريمة وإنما يحدث عفوا مثل دلقك لكوب الشاي أو العصير عفوا، أو مثل السهو في العبادات ولذلك كان الحديث الشريف \"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه\". غير أن النسيان أو الجهل ليسا عذرين مقبولين عند خرق الأنظمة خاصة في الدول المتقدمة التي نتوق أن نكون معها في العالم الأول، وهم لا يعاقبون حتى الناسي والجاهل لأنهم ليسوا بشرا، وإنما لأن نسيان النظام أو الجهل به يعد أصلا جريمة في حد ذاته، فالناسي لابد أن يعود نفسه على التذكر، والجاهل لابد أن يسأل أو يقرأ. وأحيانا كثيرة تدور أحاديث وتروى قصص عن تعسف رجال المرور في تطبيق المخالفات، وبعضها ينشر في الصحف، ومع أنني لم أقرأ مرة أو أسمع أن إدارة المرور عوضت إنسانا عن مخالفة تم تطبيقها خطأ سواء من رجال الميدان أو من الكمبيوتر، لكن هناك عقوبات صارمة وأحكاماً قضائية حازمة بحق رجال مرور وأمن ممن يثبت استغلالهم لسلطتهم، ويسيئون استخدامها. إلا أنني – أيضا – لم أسمع راويا لقصة عن تعسف رجال المرور، اعترف بخطئه، فكل الذين يروون قصصهم مع رجال المرور مثاليون لا يخطئون، والأصح لا يجرمون لأن المخالفة المرورية جريمة وليست خطأ، ورجل المرور الذي يتعاطف مع أي مخالف، يرتكب جريمة أكبر، فهو منفذ للنظام وليس مشرعا له، ونأمل أن تقضي المحاكم المرورية المنتظرة على قصص المثاليين الذين يروونها في المجالس وأحيانا في الصحف وكذلك على تعسف مطبقي النظام متى وأينما وجد. يبقى الذين يعتقدون أن نظام العقوبات المرورية \"قيمة المخالفات\" مرتفع، وبعضهم يحتد ويقول \"ظالم\"، وهؤلاء لا يكتفون بالوصف بل يروون قصصا تستدر العاطفة، فيقولون – مثلا – ماذا يفعل موظف راتبه لا يتجاوز ألفي ريال وربما أقل حين يجبره المرور على دفع تسعمئة ريال من أجل قطع إشارة في تقاطع هامشي. وآخر يقول ما ذنب فلان الذي كان ابنه أو أبوه يحتضر في المستشفى فقطع الإشارة لكي يسرع إليه، والناس السامعون يتعاطفون مع هذه الحالات ويريدون المرور أن يتعاطف معها، بينما التعليق الطبيعي العاقل عليها، ولماذا يخالف، والأصح لماذا يجرم، فصاحب الراتب الضئيل يستطيع أن يحافظ عليه دائما لو توقف دقيقة أو أقل عند الإشارة الحمراء، والمسرع لأن أباه أو ابنه يحتضر في المستشفى كان يمكن أن يموت أو يقتل غيره ممن ينتظره أطفاله وزوجته في نفس التقاطع الذي اخترقه مجرما في حق النظام. ومثل هذا التعليق يمكن أن يقال لكل من يشكو ويتألم ويتظلم من قسوة وضخامة الثمن المادي لعقوبة المخالفات \"التي هي جرائم في الحقيقة\" لأي نظام معلن وواضح ومعروف له ولغيره، إنني أقوله وبدون تردد لشركات النظافة التي ترفع صوتها الآن متشكية من ضخامة العقوبات التي تطبقها بحقها أمانة مدينة جدة – مثلا -، فمهما كانت ضخامة عقوبات المخالفات، فالمفروض عدم التشكي منها، لأنها ببساطة يمكن تجنبها. لا تخالف أي لا تجرم، ولا شأن لك بالعقوبة كبرت أو صغرت، ولذلك وحتى نتعود في بلادنا على النظام. أطالب بألا تقل أي عقوبة لأبسط مخالفة \"جريمة\" لأي نظام بما فيها نظام المرور عن ألف ريال أما المطبق للنظام فيجب فصله حين يثبت أنه تعاطف مع مجرم.