منذ الجولة التاريخية التي قام بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز على جميع مناطق المملكة في بداية عهده الميمون، تحولت بلادنا إلى ورشة عمل لا تهدأ، إذ لا توجد مدينة واحدة في شبه القارة السعودية إلا وهي تشهد إنشاء مشاريع تنموية مختلفة تمثل إضافات نوعية هامة على مسيرة التطوير والتقدم. ولعل الأوضح والأجمل في هذه النهضة التنموية الضخمة أنها تنتظم \"الإنسان والمكان\"، فهي بقدر اهتمامها الهائل المحسوب بالمليارات في التشييد والبناء لأساسيات البنية التحتية ومظاهرها التنموية، أعطت تعليم وتثقيف وتطوير فكر الإنسان نصيباً وافراً من الاهتمام والدعم وفتح النوافذ الجديدة التي من شأنها الانفتاح المدروس على علوم العصر وأفكاره وثقافاته لتحصين الأجيال مما ابتلي به بعضهم من تطرف وغلو كان الإرهاب الفكري والمسلح أبرز نتائجه، أو تفسخ وانحلال كانت المخدرات ومهاوي الرذيلة أبرز نتائجه. وهذا الدعم، وهذا الاهتمام ليس خططا على الورق، أو تطلعاً في الأذهان، وإنما هو واقع معاش شواهده ماثلة للعيان في كل مناطق وجامعات المملكة ومؤسساتها الفكرية والثقافية، وإذا كان مشروع خادم الحرمين التاريخي للابتعاث وجامعة الملك عبدالله العالمية و الجامعات الجديدة ومدنها الجامعية، ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني شواهد حضارية بدأت منذ سنوات قريبة وسيجني أبناء الوطن ثمارها العلمية والفكرية عما قريب، فإنه واكب ويواكب ذلك عشرات المؤتمرات والندوات واللقاءات الفكرية والعلمية التي تلتقي فيها النخب السعودية مع بعضها، ومع نظائرها من مختلف بلدان العالم لمناقشة كافة الشؤون الداخلية الهامة، والمعاصرة، ولعل رصداً سريعاً لما تم خلال الأسبوعين الماضيين من مؤتمرات ولقاءات يؤكد ذلك ويجسده، فمن اجتماع مجلس التفاهم العالمي بمدينة الملك عبدالله الاقتصادية، إلى مؤتمر الأمن الفكري الذي نظمه كرسي الأمير نايف بجامعة الملك سعود إلى مؤتمر النشر الدولي الذي نظمته وزارة الإعلام إلى الندوات العلمية التي تعقدها جامعة نايف للعلوم الأمنية لمكافحة الإرهاب إلى مؤتمر وزراء الشؤون الإسلامية الذي تنظمه وزارة الشؤون الإسلامية حول الأمن الفكري والاعتدال، إلى احتفالات جائزة خادم الحرمين للترجمة.. إلى إلى .. العديد من اللقاءات هنا وهناك، حسنا. إنه حراك هائل له دلالاته الواضحة، أليس كذلك؟ هذا ليس كل شيء حدث مؤخراً، فأول من أمس كان سمو النائب الثاني وزير الداخلية يفتتح منتدى الشراكة الاجتماعية في البحث العلمي الذي تنظمه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ولم يكن الحفل مجرد افتتاح منتدى فقط، على الرغم من أهميته القصوى في دعم كراسي البحث العلمي عن طريق الشراكة المجتمعية، بل دشن سموه مشاريع علمية وبحثية في الجامعة بلغت تكاليفها أكثر من مليار ونصف المليار ريال، وتوجها بالتبرع ب 10 ملايين ريال للمركز العلمي الذي تشرف باسمه ليؤكد الأمير نايف بالفعل قبل القول أن هذا الدعم يأتي في إطار اهتمام المملكة بالعلم في كافة شؤونها الدينية والدنيوية، باعتباره أساساً للتطور والتقدم من منطلق ثوابتها الإسلامية. وأوضح أن هذا الاهتمام من أولويات خطط التنمية الشاملة التي تبناها خادم الحرمين الشريفين. لقد قلت في مقال سابق هنا إننا في المملكة نعيش مرحلة تطوير وتغيير هائلين، قد لا يشعر بهما البعض لأنه يعيش داخلهما ويتعايش معهما والأمير نايف وهو يقول\" إن الدولة خصصت ربع الميزانية العامة لدعم التعليم العالي والبحث العلمي\"، كان يشير بوضوح ساطع إلى هذه المرحلة التي سيسجلها التاريخ المنصف في أنصع صفحاته بصفتها مرحلة تطوير وتحول كبرى تضاف إلى مراحل سابقة كلها تصب في نهر بناء وتكريس وحدتنا الوطنية، التي تعد أعظم وحدة شهدها التاريخ الحديث، والتي ما زالت تشق طريقها بقوة وثقة وسط إعجاب وتقدير وإكبار معظم العالم ومع حسد وتربص وتصيد بعض هذا العالم حولها، وهذا قدر الكبار في هذه الدنيا أفراداً ودولاً.