يتناجى الأحبة والإخوان بهمس شجي عن الهموم والأحزان،والآمال والطموحات ، والأسرار والأقدار ، حتى أصبحت النجوى أمرًا ملحًّا في حياتنا نفزع إذا ألم بنا أمر فنسارع إلى الصديق المقرب أو الشريك الثقة نبث له الشجون ونمارس هوايتنا في التناجي ، نشاطرهم الهموم والأفراح وحتى الدموع . ولهذه العلاقة الثنائية بين الناس أهمية كبيرة ونصيب الأسد من مساحة العلاقات في حياتنا ؛ حتى إن فقد الشريك قد يعد نهاية العالم لبعض الأشخاص ، فينطوي الشخص ويتحاشى الناس ، ويعتقد أن الدنيا خلت من الأوفياء ؛ وإلا لمن سيشتكي ومن سيسامر ؟ ولكن لو جربنا مناجاة الله واللجوء إليه في كل شاردة وواردة ؛ لتعرفنا إلى نوع آخر من العلاقات السامية ، علاقة تربطنا بمن يستقبل نجوانا في كل لحظة ، لا يردنا ولا يمل حديثنا ، فتح لنا بكرمه بابه، ووعدنا بالإجابة . فإذا طرأ لنا أمر أو صارعتنا الأقدار وأحاطت بنا المحن حتى في أجمل لحظات أيامنا ؛ دفعنا ذلك كله إلى مناجاة الله فنستحضر جميع حواسنا عند الوقوف بين يديه. نقف على قدمين بلا كلل أو ملل ، يرفع العبد يديه المرتجفتين ودموعه الحارة تنساب على خدين شاحبين فترطب شفتيه الجافتين المرتعشتين اللتين ترددان بإلحاح دعاء على ظالم أو طلبا لشفاء أو رزق ؛ فتتلاشى الحدود وتختفي الجدران ويشعر العبد الضعيف بأن الله حوله في كل مكان ، بل قد ينقطع اتصاله بالعالم المحيط فلا يسمع سوى نفسه يردد ولسانه يلهج بالتسبيح والصلاة على الرسول الكريم ،يخفق قلبه بمعزوفه تعلن الفرح بلقاء الحبيب الوحيد . وسوف يجد الداعي لهذه اللحظات حلاوة ما بعدها حلاوة ؛ فيتعود قلبه إدمان اللقاء واستمرار الدعاء ، بل قد يسرق الوقت ليسارع إلى هذا اللقاء المحموم في كل مرة يحتاج فيها إلى من يناجيه . وإذا صدق الداعي مع ربه في صدق إيمانه بالله ، ثم في سلوكه الذي يحرص فيه أن يكون واصلا للرحم ، متجنبا المال الحرام ، مختارا لأوقات الإجابة ، ملحا على الله في الدعاء ، موقنا بإجابته ؛ ضمن بإذن الله أن يكون ممن قال فيهم تعالى ادعوني أستجب لكم ).