يبدو لنا في ظاهر الأمر المزيف الذي نعيشه أن الرجل في مجتمعنا يعيش ملكا يتمتع بكامل حقوقه المشروعة وغير المشروعة , وتتعالى الأصوات النسائية تطالب بالعدل والمساواة والتحرر من عبودية هذا الكائن المستبد الذي بدأت عيوبه ومشاكله تظهر للعيان على صفحات الجرائد وفي أروقة المحاكم فتزيد جرأة المرأة في الثورة . ومن بعض هؤلاء الرجال الأب الذي لا يستحق وسام الأبوة عندما ضرب ابنته وحرقها ؛ فرجحت كفة الأم في أحقية الحضانة . وعندما شارك البعض منهم في مطحنة الأسهم وضيع ذهب الزوجة والبنات ورهن المنزل واقترض ؛ قامت الدنيا ولم تقعد على الرجال لأنهم طائشون طماعون فقد ضيعوا ما ضيعته الصيف من لبن . وتتجه دائما أصابع الاتهام بالخيانة للرجل الذي يحب العلاقات سواء المحرمة , أو تلك التي تنتهي بأنواع الزواج المنتشرة هذه الأيام . وتلوك الألسن ذاك الذي سافر يتزوج بأجنبية ( يا ماجاب الغراب لأمه ) أو تتهامس عمن يلاحق الخادمات , أو حتى تزوج إحداهن . بعض رجالنا مسكين يتخبط , يبحث عن الحب والرومانسية وكأنهما سراب . يعيش قصة حب خيالية البطلة فيها امرأة سمع صوتها في الهاتف فينسج خياله قصة إعجاب بالصوت الذي يطالب أن تحضر أخته الصورة ليكتمل الإطار للقصة . يصير الرجل عندنا هدفا سهلا للطامعات في المال وفي دخول البلاد للعيش فيها والتمتع بجنسيتها ؛ وهو يرى في ذلك كله ملجأ له من قسوة المجتمع و تحجر القلوب . وإلا عم يبحث رجل خمسيني في الزواج بطفلة في العاشرة ؟ عن طفولة فقدها في صغره وحرم منها , أم عن إشباع شهوة حيوانية ساعد عدم وجود التربية الصحصحة وجور العادات في اشتعالها . من كان يصدق أن مجتمعنا الطيب النقي يخرج منه رجال يقتلون أطفالهم ؛ فهذا يطعن ابنته حتى الموت , وذاك يلاحق زوجته أو ابنه بالسيارة ليدهسه ؟! لماذا أنهى شيخ كبير حياته بحبل حقير , وترك الناس يحدقون في جثته متسائلين : كيف تنتهي حياة مليئة بالعطاء والحكمة بهذه الطريقة ؟ لا تقل حالة نفسية , ولكن اسأل : ما سبب هذه الحالة النفسية ؟ أمثلة كثيرة يندى لها الجبين , بل وأصبحت الصورة الشائعة عن رجالنا داخل البلاد وخارجها , هزت مكانتهم التي تربينا عليها , فتحول الابن إلي عدو لدود ينحر أمه , ويلاحقه أبوه ليرديه برصاص العجز وقلة الحيلة , وأصبح الأخ مصدرا للرعب والخوف بعد أن كان حصن الأمان والمعين بعد الله , أما الزوج فهو المراهق الذي يتبارى مع أولاده في خوض غمار الإثارة والتصابي . ولكن, لا تكونوا أنتم والزمان عليهم ؛ فإن وجود هذه المجموعات الذكورية الغريبة المندسة داخل حياتنا أمراً عاديا , فنحن كغيرنا من المجتمعات , فينا الصالح والطالح . وإذا كانت الأعداد في تزايد فابحثوا عن السبب , وارفقوا بالرجل فهو مجرد ضحية ؛ وعلينا أن نبحث عن الجاني الذي كان يستهدف المرأة وجعل الرجل أداته في غبنها وقهرها وسلب حقوقها ؛ فكانت النتيجة ضحيتين بدلا من واحدة . تنسحب الأم من تربية ولدها وصقل شخصيته برغبتها أو بتسلط العادات التي تفصل بين الابن وأمه منذ الصغر , وترحل المهمة إلى الأب الذي يكون هو نفسه ضحية حرمان ( وفاقد الشيء لا يعطيه )ويلتحم الاثنان في رحلة شقية إلى صنع رجولة مهزوزة تحت شعار ( خلك رجال ) فنشأ الأبناء وهم يعتقدون أن الرجولة عنف وضرب وصراخ وترديد لالالا طوال الوقت . وعندما جلسوا بقلوبهم الصغيرة المنهكة على مقاعد الدراسة , أكمل الجناة عزف سمفونية الضرب على أجسادهم فكانت الفلكة هي سيدة الموقف . خرج كثير من شبابنا إلى معترك الحياة يقاتلون للحصول على فرصة للعمل فأخرج لهم المجتمع لسانه لأن العرض من الشهادات لا يناسب الطلب من المؤسسات الحكومية والأهلية ! , وعندما اصطدم المعنفون منهم بمجتمع يكاد ينهض ويتطور ليصلح ما أتلفه الدهر ؛ انصرف بعض منهم معرضين , وأصبحوا أجراء لدى من يريد استغلال هذا التعطش الدموي في نفوسهم . ووجد الفكر الضال فيهم مطيعين ومنفذين بل ومصرين على الاستمرار في هذا الغي الذي يكشف زيفه كل سوي صاحب عقل فطن . حُمل رجالنا الهموم , ولم يتسلموا زادا صحيا كافيا لتحمل هذه الهموم , حرموا من أبسط الحقوق كالعطف والحنان ومنحُوا بالقنطار حق الطلاق والزواج والحضانة ! أطلقهم المجتمع في الشوارع صغارا( الشارع يربي ) وعندما خرجوا كبارا لم يجدوا مكانا يحتويهم ( خاص بالعوائل ) لم يعرفوا في المراهقة كيف يتعاملون مع أجسادهم ؛ وعندما تزوجوا لم يعرفوا ماهو الزواج ! ارحموهم , وتأكدوا أن كل جهة في بلادنا الحبيبة تتحمل مسؤولية الأخذ بيد الرجل وتأهيله لتحمل مهامه على الوجه الصحيح . ثم أوجه خطابي أيضا إلى الرجل نفسه : إذا فاتك شيء من حقوقك فلا تحرم أبناءك منها ؛ فهم جيل المستقبل الواعد .