ملف «مسجونون في عنابر المجتمع» الذي أخرجته صحيفة «عكاظ الأسبوعية» أكثر من شامل ورائع، لأنه يلمس احتياجات طائفة من المجتمع يقبعون خلف القضبان، بينما يقبع أفراد أسرهم خلف تساؤلات الجيران والمعارف وعيونهم ويعيشون تحت هجير الحرمان الذي يحيط بهم من كل جانب. كثيرة هي المؤسسات والجمعيات الخيرية، وقليلة هي إسهاماتها في العناية بأحوال هؤلاء لأنهم لا يكاد يعرف عنهم أحد، ومن عرف عنهم لا يكاد يقدم لهم شيئاً. على أن العناية في أدنى درجاتها تثمر ما لا يخطر على بال كثيرين، حيث أن هؤلاء يستقبلون العناية الجادة والاهتمام الصادق بالعرفان ويستثمرونه في رفع تأهيلهم، ومن هؤلاء من تخرج الابن في الأسرة بتفوق في الجامعة ولحقت به أخته فأصبحا معيدين في كليتين في الجامعة لأن الأسرة لقيت من يحسن القيام عليها على مدى سنوات فيما يقبع الأب خلف قضبان السجن في قضية مخدرات. المال ضروري وأساسي ولكنه ليس كافياً وحده، بل لابد من المتابعة المدرسية والأسرية وإعطاء الأسرة الأمان والحنان وإشعارها بأن أمامها مستقبلا أفضل، شأنها شأن غيرها من الأسر المستقرة، وأنها لا تتحمل وزر ما وقع فيه عائلها من جرم. ليست العبرة بأسماء الجمعيات واللجان بل بما يقوم به أصحاب الوجدان والضمير الحي من رجال ونساء المجتمع \"الجسد الواحد\" ومتى كانت الرعاية حقيقية للسجين في سجنه ولأهله في معاشهم التعليمي والطبي والاجتماعي فإن الثمرة هي الاستقامة والنجاح والتفوق. جمعية حقوق الإنسان والصندوق الخيري الوطني ومراكز الأحياء والجمعيات والمؤسسات الخيرية وأصحاب الزكاة كلهم مسؤولون عن هؤلاء لكن في إطار أخلاقي إنساني رفيع، وليس لأحد مهما كان أن يعاقب شخصاً أو أسرته لخطأ وقع منه، لأن في المجتمع من النظام ما يغني عن عقوبات تأتي في ردود أفعال سلبية، ولمن شاء أن يقرأ قصة أبي بكر الصديق مع قريبه مسطح رضي الله عنهم في حادثة الإفك والتوجيه القرآني الرفيع: (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يوتوا أولي القربي والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم).