الله يستر من قادم الكهرباء شركة الكهرباء السعودية لا تكسب، ولا تخسر، هكذا \"حق الناس للناس \"كما يقولون، ولا أدري بأي معيار نسميها \"شركة\" فهذه متروكة للاقتصاديين، فالشركة تبيع \"طاقتها الكهربائية\" بأقل من تكلفة الإنتاج والعائد على الاستثمار، والمستهلك في السعودية يحصل على الكهرباء بتعرفة هي نصف نظيرتها في فرنسا مثلاً وهي أقل بنسبة 30% عن نظيرتها في الإمارات العربية المتحدة، والمستهلك ذاته يدفع خمسة عشر ريالا شهريا رسوم قراءة وصيانة للكهرباء، بينما يدفع ما بين ثلاثين إلى أربعين ريالاً للهاتف الجوال أو الثابت مع أن الهاتف يعد أكسسوارات حياة قياساً بالكهرباء التي تعد شريان حياة، ومتوسط تكلفة المدفوع لإيصال الكهرباء لأي منزل هو ثلاثة آلاف وخمسمئة ريال للعداد الواحد، بينما متوسط التكلفة الحقيقي هو أكثر من أحد عشر ألف ريال ببضع مئات، وتبعاً لهذا فإن إيرادات الشركة من 2001 حتى 2008م بلغت ستة وأربعين ملياراً وسبعمئة وواحداً وأربعين مليون ريال، ومصروفاتها التشغيلية بلغت خمسة وأربعين ملياراً وخمسمئة ومليوني ريال، وقبل أن تظن أنها ربحت ملياراً وبعض المليار، لابد أن تعلم أنها صرفت على المشاريع خلال الفترة ذاتها اثنين وثلاثين ملياراً ومئتين وتسعة وثمانين مليون ريال، ولابد أن نعلم أيضاً أن إيراد الشركة نقص أربعين مليار ريال منذ تأسيسها حتى نهاية عام 2008م بسبب قرار مجلس الوزراء رقم 170 الذي صدر عام 1421ه وقضى بتخفيض التعرفة 30%. من مقال أمس واليوم لابد أن يكون اتضح أمران مهمان أو قل \"عيبان واضحان\"، أولهما أن وزارة الشؤون البلدية والقروية وفروعها، تعطي تراخيص البنيان والمشاريع بدون حساب لمسألة الكهرباء، وشركة الكهرباء من جانبها لم تلح وربما لم تطلب تنسيقاً مهما كهذا معها واكتفت بالمطاردة، أقصد مطاردة حركة النمو العمراني، وهي مطاردة أوقعتها في فخ التقصير الدائم واللوم المستمر، وستبقى الحال كما هي ما لم يصبح التصريح لأي مخطط بناء أو مشروع ضخم مرهوناً بموافقة شركة الكهرباء. الأمر الثاني أن الشركة لا تعمل بمنطق تجاري وهذا أمر واضح من قيمة تعرفتها وتكاليف إيصال الخدمة ورسوم الصيانة والقراءة، والدولة وفقها الله أرادتها هكذا، مع أنني مقتنع ومتفهم لمبرر خفض التعرفة السكنية، فهي تخدم شرائح واسعة من المستهلكين لمنازلهم، لكنني لا أعرف ما هو مبرر خفض التعرفة الصناعية التي تستهلك الجزء الأكبر من الطاقة الكهربائية لمشروعات ربحية يحكمها منطق السوق. الشركة تتلقى دعماً ضخماً من الدولة، وهو دعم سوف يزيد ويتضاعف لكن المشكلة ليست هنا، المشكلة أن مشروعات زيادة الطاقة لا تتم بين يوم وليلة، وأن كل مشروع يحتاج بين ثلاث إلى خمس سنوات حتى يصبح جاهزاً للتشغيل، فالمشكلة ليست مالية فقط، مع أن المال بمرور السنين والمراحل سيصبح مشكلة أيضاً، ولا حل للمعضلة كلها كما أظن سوى ترك الشركة من الآن للمنطق التجاري، أو تعيدها الدولة إلى مؤسسة حكومية، وتتحمل تبعات ذلك مالاً ووقتاً ونقد وحنقاً. وحتى لا يفهمني أحد خطأ، فأنا لا أدافع عن الشركة لمجرد الدفاع، ولا أطالب معاذ الله برفع الرسوم (ملاحظة: سأنضم لكل من يطالب بتخفيض رسوم الهاتف ثابتاً وجوالاً وتحميل الدولة الفرق مثلما هو حاصل في الماء والكهرباء، ثم نشجع حملة جديدة لترشيد استخدام الهاتف بعيداً عن الرسوم مثل حملتي ترشيد الماء والكهرباء أيضاً )، لكنني مثل أي مستهلك عادي، لا أريد أن تنقطع عني الكهرباء لحظة واحدة، وقد عرفت هذه الحقائق عن واقع شركة الكهرباء، فوددت أن تعرفوها مثلي، حتى إذا انقطعت الكهرباء عن منزل أحدكم فلا يظن أنه فقط للتذكير بشكر النعمة كما قلت في مقال سابق وإنما ليضيف دعوة مستحقة فيقول \"الله يستر من القادم\".