قال لي: بعد صلاة الظهر دخلت أحد أسواق بيع الخضروات والفواكه في إحدى المدن فوجدت أقل من نصف محلات السوق عليها أصحابها يعملون، والبقية عليها أشرعة تغلف منتجاتها، ووجدت بين البائعين أشخاصاً في العشرينيات من أعمارهم وآخرين في السبعينيات والثمانينيات وكل محل عبارة عن حوالي أربعة أمتار في أربعة أمتار مع مستودع في الخلف. دار الحديث مع البائعين عن أوضاعهم وسر المحلات التي يغلف أصحابها منتجاتهم ويتركونها فذكروا أن هؤلاء بائعون غير سعوديين وأنهم يأتون بعد العصر فقط ويبيعون ما عندهم ثم يذهبون لأن بعضهم عندهم أكثر من عمل بل إن من هؤلاء من يعمل في ثلاثة أعمال مختلفة. سألت كيف يتم التأجير لهؤلاء فذكروا أن البلدية تؤجر المحل الواحد لسعوديين بخمسة آلاف ريال لكن بعض المستأجرين يعيدون تأجيره لمن شاءوا بألف وخمسمائة ريال شهرياً أي بثمانية عشر ألف ريال في السنة، ويجد المستأجر الذي يمارس بنفسه البيع والشراء، يجد من هؤلاء عنتاً كبيراً لأنهم يبيعون بأسعار أقل وجودة أقل ولساعات أقل ولأشهر موسمية خاصة عند توافد المصطافين، ولا تدري ما الذي يجري، فهم يعيشون أحسن حالاً منا بل إن عند بعضهم من السيارات التي يستخدمونها ما لا نحلم به ما حيينا ما دمنا على هذه الحال. من البائعين شاب يحمل الثانوية ودبلوماً في الإلكترونيات يستأجر أحد المحلات كما أن أباه الذي يكاد يشارف على الثمانين يستأجر محلاً آخر، وهناك شاب يحمل الثانوية وقد تلقى إنذاراً بإخلاء المحل لأن المستأجر من البلدية وجد مستأجراً يدفع إيجاراً أعلى، ولم يجد صاحبنا غير دموع القهر يعبر بها عن حالته فهو يعول أربعة إخوة وأماً مريضة ولا يستطيع تركهم إلى أي مكان بعيد، وجاء الشيخ المشارف على الثمانين ليسكب دموعاً أشد حرارة وألماً وقهراً وهو يشرح حالة هذا الشاب الذي يقترض بضاعته من المحلات المجاورة أول النهار ليسددهم آخره. أين البلدية وشروطها ؟ قالوا إن البلدية بتجاهل هذه الحال تعين هؤلاء علينا إضافة إلى أن معيدي التأجير يهددوننا إن نحن تحدثنا مع هؤلاء الأجانب. أين مفتشو العمل ؟ قالوا: لم نسمع بهؤلاء أو نرهم في يوم من الأيام. أين أصحاب الغيرة من مسؤولين ومواطنين.. لم يقولوا شيئاً.. كثيرون يبيعون.. في المتاجر.. والمكاتب.. والأسواق.. وعلى الأرصفة.. وفي الظاهر.. ومن الباطن .. والسلعة هي الوطن ..