من أشدِّ أنواع البخل وأسوئها البخل بالتعبير عن المشاعر، حيث يظل الإنسان مع من يحب السنوات ذوات العدد دون أن يعبِّر له عن مشاعره نحوه، وكأن هذا النمط من التعبير محظور من المحظورات. البخيل من بخل بمشاعره وبالحديث فيها مع من يحبُّ، بل هو الشحيح الجاني على نفسه وعلى حبيبه، تريدون المثل الأعلى؟.. إنه أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام فهو القدوة الأولى في هذا المجال المهمل عند كثير من الناس، فكلنا نعرف حقيقة مشاعره صلى الله عليه وسلم نحو أصحابه، لأنه عبَّر عنها تعبيراً صريحاً في أكثر من مقام، وكلُّنا نعرف تألُّق مشاعره عليه الصلاة والسلام نحو زوجاته رضي الله عنهن، تألقاً رائقاً رائعاً بديعاً، وكلَّنا نعرف عمق مشاعره نحو أهل بيته الطيبين الطاهرين رضي الله عنهم أجمعين. لماذا نعرف ذلك كلّه؟.. لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعبِّر عنه بوضوح في مواقف شتى، وتبدو عليه السعادة حينما يعبِّر عنه، والأمثلة على ذلك كثيرة، حبُّه الكبير لبناته رضي الله عنهن، خاصة فاطمة التي كانت تشبهه كثيراً، وحبه الكبير لأسباطه وأحفاده حباً يستحق أن يشاع خبره ليل نهار لما فيه من حسن الرعاية وجميل الحب، وحبه الكبير لزوجاته رضي الله عنهن حباً يبرز في كل المواقف دون تردد أو تورية أو تعريض، بل هو التعبير الواضح الصادق قولاً وعملاً. كان يعبِّر عن مشاعره تجاه من يحب، بل هو الذي أمرنا أن يقول أحدنا لمن يحب: (أنا أحبك) وهو يعلم عليه الصلاة والسلام الأثر الكبير الذي تحدثه هذه الكلمة في قلوب المحبين. إن من الناس في زماننا هذا، من يواري حبَّه في نفسه طول عمره، فما يعبّر عنه بكلمة واحدة تسعد من يحب، وتجعله يذوق متعة الاستماع إلى العبارات المضيئة بالمشاعر والأحاسيس. وإذا كانت مشكلة عدم التعبير عن مشاعر الحب والمودة والتقدير موجودة عند بعض الرجال والنساء، فإنَّ الرجال هم أصحاب قصب السبق في وقوع هذه المشكلة، فهم يقصرون غالباً في إتقان مهارة التعبير عن مشاعرهم، وهم الذين يتهاونون بهذه المسألة إلى درجة السخرية. شكت إليَّ زوجة صديق من سوء حالها مع زوجها مع أنه ذو خلق ودين وكرم، وكانت شكواها ترتكز على جموده، وفقدان (مهارة الكلام) المناسب لحياة زوجية قائمة على المودة والرحمة والحب. وحينما طرحت عليه مشكلة الجمود العاطفي في الحياة المعاصرة قاصداً من هذا الطرح تنبيهه بصورة غير مباشرة إلى مشكلته مع زوجته (عاطفياً)، أبدى لي رأيه الواضح بأنه ضدَّ تعبير الزوج عن مشاعره تجاه زوجته، وأنَّ هذا يدفعها إلى الغرور، والتعالي على الزوج. قلت له: هل تعرف من هي الأحبُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجاته: قال: عائشة رضي الله عنها، قلت: كيف عرفت ذلك؟ ألم يعبِّر عن حبه لها في أكثر من موقف صلى الله عليه وسلم، قال: بلى، قلت: ألا يمكن أن يقتدي الرجل المسلم برسول الله عليه الصلاة والسلام في هذه المسألة؟ وكان السكوت جواب صاحبي، وأقول: يا من يحمل مشاعر صادقة، عبر عنها تُمتِع وتستمتع. إشارة أأقول: إن القلب مشغول بكم=أو تجهلون بأنه مشغول؟