أصعب شعور على النفس هو الشعور بالنّدم، وأكثر ما تكون صعوبته وألمه حين يتذكر الإنسان تفريطه في أمر كان في مقدوره ومتناول يده ثمّ فرّط فيه.. في يوم القيامة يوزن النّاس وتوزن أعمالهم، فمن زادت حسناته على سيئاته، ولو حسنة واحدة دخل الجنة، ولم يدخل النار، ومن زادت سيئاته ولو سيئة واحدة دخل النار، فإن كان من أهل التوحيد عُذّب في النار ما شاء الله، ثمّ يكون مآله الجنة، وإن تساوت سيئاتهم وحسناتهم فهم أصحاب الأعراف الّذين جاء الخلاف فيهم هل يكون مآلهم الجنّة أم لا؟ والشاهد من هذا كلّه أنّ الإنسان يرى يوم القيامة كيف يكون مصيره مُعلّقًا بحسنة واحدة لم يفعلها، أو سيّئة واحدة فعلها، فقد يأتي في الوزن فيجد أنّه بحاجة إلى حسنة واحدة تساوي الكفّتين أو ترجح ميزان الحسنات.. فيتذكّر حينئذٍ وأنّى له الذّكرى كما قال تعالى في سورة الفجر.. ومن عجيب ما جاء في السنة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال : «بينما رجل يمشي بطريق، وجد غصن شوك، فأخذه، فشكر الله له فغفر له»، وفي رواية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحّين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة»، الآن فكر وتأمّل كم مرة وقعت عيناك على أذى في الطريق فتكاسلت عن إزاحته؟ أقول: والأمثلة كثيرة جدًا من الصور الّتي نفرّط فيها بكثير من الخير لا يكلّفنا شيئًا لكنّ الشّيطان يصرفنا عنه بتزهيدنا فيه.. ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح: (اتقوا النار ولو بشقّ تمرة).. نعم! شقّ تمرة، وربع ريال، وكسرة خبز لفقير، وحبّة قمح لطائر، وشربة ماء لهرّة، وغير ذلك كلّها حسنات قد تكون نجاة العبد من النار ودخوله الجنّة يوم القيامة مُعلّقا بها.. لقد جاءت السنّة بالتحذير من التساهل في الصغائر من المعاصي كما قال صلّى الله عليه وسلّم: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنّهنّ يجتمعن على العبد فيهلكنه)، وهي في نفس الوقت جاءت بعدم التهاون بشأن الحسنات الصغار، لا أقول إنّهن يجتمعن للعبد فينجينه، بل أقول: ربّما تنجيه منها واحدة.. فاتقوا النار ولو بشق تمرة.