لقد كرم الله النخلة بذكرها في عدد من آيات القرآن الكريم، فكانت زاد مريم العذراء عليها السلام الغني بكل مكونات الغذاء السليم، فما يحتويه التمر من عناصر غذائية المكتشف منها والذي لازال في علم الغيب، وكمية الناتج الوطني الوفير لها، يجعلنا نضع هذه الشجرة المباركة في الموضع المناسب لها على خريطة الاقتصاد الوطني بعد أن أخذت مكانها الرمزي بين السيفين في شعارنا الوطني، لقد أصبحت هذه الشجرة تؤنس مساحة واسعة من مسطحاتنا الزراعية، وأفاضت علينا بإنتاج وفير حتى غدت التمور بأنواعها المختلفة ثروة وطنية ارتبطت باسم المملكة العربية السعودية، لكننا لم نقابل هذه الثروة بتخطيط تسويقي يوازي المنتوج الوطني لها، فلا المحصول الإجمالي يستهلك بشريا بكامله في الداخل حيث تنتهي كمية منه إلى الإهمال، بعد أن أصبحت عديمة الفائدة، جراء سوء التخزين وسوء التوزيع ومحدودية الاستهلاك، في غياب مطلق عن المستهلك العالمي، ومن أراد البحث عن التمر في الأسواق الأوروبية، فستنعدم أمامه خيارات الحصول على أي نوع من أنواع التمر العربي عموما، والسعودي منه على وجه الخصوص، فلن يتاح له غير التمر الإسرائيلي بأنواعه المتعددة وغير المألوفة، علماً بان الناتج الإسرائيلي من التمور لا يمكن أن يتجاوز ما تنتجه بضع مزارع سعودية، ومع ذلك أصبح من الخيارات الفاخرة أمام المستهلك الأوروبي، فارتبط لديه المنتج ببلد الإنتاج، فلقد فاجأني رد ذلك العجوز السويسري بعد أن تفحصت عددا من أنواع التمور المعروضة على أرفف متجره فوجدتها دون استثناء اسرائيلية، حيث بادرته بسؤال كنت أتوقع إجابته بنفاد الكمية، ألا يوجد لديكم تمر عربي؟ فكان رده بعد أن قطبت الدهشة حاجبيه، وهل ينتج العرب تمراً، هكذا يرى المستهلك الأوروبي ثرواتنا غير النفطية، لقد اصبحنا اليوم في حاجة الى اعادة استراتيجياتنا الزراعية وخططنا التسويقية في اقتحام الاسواق العالمية، والصناعات التحويلية التي يمكن ان تقوم على الانتاج الوفير للتمور الوطنية، ولا شك ان التمور بمكوناتها الغذائية الغنية تشكل مصدرا رئيساً لصناعات غذائية هامة، كما يمكن ان يقوم عليها ايضا صناعات دوائية وصيدلانية أخرى، ولو أن نصف ما ننتجه من التمور ينتجه أحد البلدان الأوروبية، لأصبح السوق السعودي من أهم الأسواق العالمية استيرادا لمنتجات الصناعة المباشرة والثانوية لهذه الثروة المهدرة، فقد استنزفنا الكثير من المخزون المائي الوطني بعد ان عشنا ردحاً من الزمن نظن أننا نعيش فوق مخزون مائي يعادل مجرى نهر النيل لمدة خمسمائة عام، استنزفنا مخزوننا الحقيقي في محاصيل زراعية افتقدت إلى التخطيط الاقتصادي، وبالتالي فقدت قيمتها التسويقية، لان هدف الانتاج تلاشى في ثنايا الوسيلة، فما ينفق على انتاج التمور من جهود بشرية وثروات مالية ومائية لا توازي العائد الاستثماري لها في منظومة الاقتصاد الوطني، فهل يكون ذلك مسوغا لاعادة حساباتنا في استثمار هذه الثروة الوطنية ؟، واعادة النظر في صياغة خططنا التنموية في المجال الزراعي الذي يأتي في اهميته الوطنية بعد الانتاج النفطي، فكما استطعنا ان نجد لنا موقعا هاماً على خريطة الانتاج النفطي العالمي من خلال منظمتي ( opec ) و( oapec )، فإنه من الحكمة ومنطق التفكير الاقتصادي ان تكون عضويتنا في منظمة ( wto) بوابة تلج من خلالها منتجاتنا غير النفطية الى الاسواق العالمية وفي مقدمة ذلك ثرواتنا الزراعية. كاتب بصحيفة\"المدينة\" السعودية.