متى نجني ثمر التوت ؟ بل أين ينبت زهر التوت ؟ ولماذا ينبت في جزء من المكان وجزء لا ينبت فيه التوت ؟؟ من المسلمات المنطقية أن الإنسان الذي يعمل في مهنة معينة يجب أن يكون ملماً بها ويميزها ويعرفها جيدا كما يعرف أن السماء سماء والقمر قمر .. حتى يتمكن من البحث حولها وعنها بل ويجب أن يبحث فيها ويكون البحث في مكان وجودها وان يستخدم الأدوات المناسبة لطبيعة مهنته حتى يرعاها ويحافظ عليها ويطورها ويبرزها ويتباهى بها . لتقوى به .. لأنها صورة تعبر عنه ولن تعبر عنه إلا بما يعبر هو عنها .. والمعرفة العميقة بالمهنة هو مفتاح تطورنا وتوسعنا وخروجنا من دائرة العتمة والتيه.. هذا منطق العمل في المهنة. كما أن مهنتي جزء من خطة الدولة وعملي، فها هو تنفيذ لسياستها ووجودي هو واحد من معطياتها. فعندما أمنحها ضميرا حيا وصادقا وخلقا راقيا وتصورا يتطلع إلى الارتقاء بها أكون فردا ساهم في تحقيق أهداف الدولة وساهم في تعزيز انتماء المجتمع للدولة ورسخ قيم التضامن التي يرتهن بها تأهيل الموارد البشرية والنهوض بها. فهل يمكن أن نتخيل أن هناك من يمارس مهنته وهو يختلف معها ويعارضها وقليلا ما يملك زمامها وقليلا ما يستوي على سرجها؟؟ هل يمكن أن نتخيل ان هناك مسؤولا في مهنته يوقف سير حاشيته التي سكنت بيته وإن أطلقها فليست لهم قبلة واحدة أو محراب واحد تقف وراءه ؟ هل يمكن أن نتخيل ان هناك مسؤولا في مهنته يعمل فيها ليمد من خلالها عنقه إلى البعيد ومن الفراغ ؟! هل يمكن أن نتخيل أن هناك مسؤولا في مهنته لا يؤمن بالتخطيط ولا يتصور أنه مصدر مريح لتحقيق عالم كريم وسليم بل يرى أن التخطيط هو مغالطة الحقائق وتزوير الذات ولا يعبأ بما يترتب على ذلك من خسائر ثقيلة ؟ هل يمكن أن نتخيل أن هناك مسؤولا في مهنته يغتال الخيال والشعور والفكرة ولا يدرك أنه بهذا الفعل إنما يغتال الوطن وأبناء الوطن ولا يختلف عمن يغتال الوطن بطرق أخرى !! هل يمكن أن نتخيل أن هناك مسؤولا في مهنته لا يجود قلمه إلا بقطرات من جفاء يباغت بها من يعمل معه ليؤسس بها منهجا خاصا به وجديدا يعصي القيم ويقطع الطرق الآمنة ؟ لست أقول ذلك شططا ولا أتصوره عبثا وليست مجرد فكرة أو خاطرة بقدر ما هي عصارة تأمل لكون واسع علمني كيف أستفيد من التجربة وكيف تكون رديف الجامعات ومراكز التدريب. لست أقول ذلك شططا ولا أتصوره عبثا وليست مجرد فكرة او خاطرة من وحي الخيال او جمال الطبيعة بل يستهويني السؤال وراء السؤال ولست عاجزة عن الإجابة فهذا أول الغرس في البحث حيث يشمر السؤال عن ساقه. فقريتي التي في الداخل أبوابها مشرعة لكل الأسئلة الجائعة ونوافذها مشرعة لكل الإجابات المقبلة .. هي أمنية أن أزرع جملة واحدة على ورق رقيق أبيض يكون شفيعا لي ولا أحاسب حين أصمت. فهذا الوطن أمانتنا جميعا وهذا الإنسان الذي انكسر من خلال المهنة حين اتكأ عليها فسقطت به لأنه اتكأ على عكاز كسير هو أمانة لم نشفق على أنفسنا وقبلنا تحملها بل وقبلنا أن نحلم بتحقيق أحلامه .. ربما لأننا لا نعرف ان هناك فئة تهوى غارات الجهل .. تهوى حمل الأمانة بجهل حكى عنها التاريخ قديما وأطلق عليها لفظ الغزاة . فمتى نجني ثمر التوت ؟؟ لست استبعد الإجابة ولست استبعد موسم القطاف فإيماني الذي لا تهدم رواقه ولا تهزه عواصف الشك يهمس بي بأن هذا التخيل سوف ينحسر مده .. بمن نحمل لهم في قلوبنا اعتذارا حنونا.