حينما نُشرت لي في هذه الجريدة قصيدة مع بداية الهجمة الأمريكية الغاشمة على العراق اتصل بي بعض القراء ينتقدون بيتاً في القصيدة قلت فيه: يا غربُ، يا عقلاءَه، أو مالكم=وعيٌ بما يجري من العدوانِ وكان نقدهم منصبَّاً على هذا النداء لعقلاء الغرب، وقد بالغ بعض من اتصل بي وقال: هل ما زلت تظن أنَّ في الغرب عقلاء؟ هل ما تزال تعيش هذا الوهم يا أبا أسامة؟. وأذكر أنني قلت لهم كلاماً أؤمن به، ويؤمن به كل إنسانٍ عاقل، فضلاً عن أن يكون مسلماً يهتدي بشرع الله عزَّ وجل، قلت لهم: العقلاء موجودون في كل مكان، وزمان، وعند كل أمة ومجتمع، وفي الغرب من العقلاء المنصفين عدد كبير، ولكن مشكلتهم مع الأنظمة السياسية الغاشمة، ومع الإعلام المضلِّل مشكلة كبيرة، والأمر أوضح من أن يُشرح أو يُوضَّح، والله أمرنا بالعدل، ورسولنا صلى الله عليه وسلم شرع لنا طريقاً واضحاً في التعامل مع العقلاء من البشر، ولو لم يكن الأمر كذلك لما بعث برسائله إلى ملوكِ وسلاطين زمانه مانحاً إيَّاهم حقَّهم في الألقاب التي تخاطبهم بها رعاياهم، بل لو لم يكن الأمر كذلك لما بعث بأصحابه إلى الحبشة في الهجرتين الشهيرتين موضحاً السبب في ذلك بالإشارة إلى أنَّ ملك الحبشة ملك عاقل عادل، لا يُظلم عنده أحد. إنَّ في الغرب من العقلاء من يرفض رفضاً قاطعاً كلَّ صور العسف والظلم، والاعتداء، وأباطيل الإعلام وأكاذيبه، ومن ينصح العالم الغربي بالعودة إلى الفطرة السليمة، ومن ينادي بإعادة ترتيب الأسرة الغربية، وإعادة المرأة إلى المنزل لتقوم بدورها الحقيقي في بناء المجتمع والأمة، ومن ينادي بإعادة الحقوق إلى أهلها في فلسطين وغيرها. ثم مضت الأيام كما شاء لها الله سبحانه وتعالى أن تمضي، حتى إذا رأيت قافلة (شريان الحياة) التي قادها النائب البريطاني العاقل (جورج غالوي) إلى غزَّة، تذكرت ذلك الحوار الذي جرى بيني وبين المنتقدين لي في ذلك البيت الشعري. لقد أعلنها (غالوي) بصراحةٍ يستحق عليها الشكر والإشادة، قال إنه ومن معه في قافلته يعتذرون إلى أهل فلسطين وإلى المسلمين جميعاً عما أحدثه وعد (بلفور) المشؤوم من خللٍ وظلمٍ واعتداءٍ واغتصابٍ للحقوق في بلاد المسلمين، ويعتذرون عن السياسة التي اتبعها رئيس وزراء بريطانيا السابق (توني بلير) منساقاً فيها وراء الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش)، وأكد في أكثر من موضع من كلمته أنه يشعر بالخجل والأسى لما حدث من ظلمٍ للشعب الفلسطيني. وكشف أن أخت (توني بلير) قد جاءت إلى غزة للتعاطف مع أهلها، مؤكداً أنها تعارض سياسة الغرب الظالمة نحو المسلمين، وترفض أي موقف سياسي بريطاني أو غير بريطاني يؤيد دولة الظلم والعدوان التي يطلقون عليها إسرائيل. قوافل تسير من إيرلندا واسكتلندا وغيرها من الدول الأوروبية حاملة لواء الرفض لما جرى من المذبحة الصهيونية الأخيرة في غزة، ومعلنة أنها مع المسلمين المضطهدين حتى يسترجعوا حقوقهم. لقد قال النائب البريطاني (غالوي) كلمة الحق، وصدح بدعوته إلى الإنصاف والعدل، واعتذر اعتذاراً صريحاً إلى المسلمين عن المواقف السياسية البريطانية المؤيدة لدولة الظلم والعدوان اليهودية المغتصبة لأرض فلسطين اغتصاباً وضع قواعده (بلفور) ظلماً وعدواناً. شكراً لهذا العاقل على ما قدم، وشكراً لكل عاقل ينصر الحق، وتحية للعقلاء في أي مكان وزمان. إشارة: لم أزلْ أكتب للموج خطاباً=ربما حقَّق أحلامَ سفيني