على الرغم من الأزمات المالية المتتابعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، لم تزل السعودية تتربع على عرش القوة المالية لحكومات العالم، مستفيدة من تعظيم الفوائض النفطية وإنفاقها في مشاريع ومدن تنموية، وتجنب ضخ الأموال في أهداف استهلاكية مثل رفع الرواتب أو توزيع الهبات. وعندما رفعت وكالة "فيتش" رتبة التصنيف الائتماني للسعودية من "AA-" إلى "AA"، وهي رتبة تفوقت بها المملكة على اليابان والصين وإيطاليا، قالت الوكالة بحسب نسخة حصرية من تقريرها اطلعت عليها "العربية.نت" أن "السعودية صاحبة أقوى موقف مالي دائن بين كافة الدول الخاضعة لتصنيف الوكالة"، أي معظم دول العالم وكافة الدول المتقدمة. وتتلخص مجمل المؤشرات التي استندت إليها الوكالة، في عدة مؤشرات حاسمة تحصرها "العربية.نت" في 6 أسباب تأتي حصيلة للسياسات الحكومية خلال السنوات الأخيرة. 1- السعودية تدّخر لنفسها وعلى رأس أسباب التفوق المالي، أن السعودية تحتفظ بجزء مهم من ثروتها في الداخل السعودي، حيث لفت التقرير إلى أنه وفي الآونة الأخيرة، زادت قيمة مدخرات المملكة على شكل سيولة في البنوك السعودية، على عكس العديد من الدول النفطية التي تفضل استثمار سيولتها الفائضة في ودائع خارجية معرضة لمخاطر كبرى. وقال عضو مجلس الشورى السابق، الدكتور إحسان بوحليقة ل "العربية.نت" إن رفع التصنيف السيادي مسألة في غاية الأهمية لأي دولة، ويمكننا أن نلحظ خطورتها من النقاشات الأخيرة في الولاياتالمتحدة التي أفضت إلى منع الحكومة من رفع سقف الدين العام، من أجل عدم المساس بالتصنيف الأميركي. وذكرت "فيتش" أن السعودية تحتفظ بودائع مصرفية تعادل 58.7% من الناتج الإجمالي المحلي، بمعنى أن المملكة تدخر أكثر من نصف ناتج اقتصادها السنوي، على شكل سيولة (كاش) يمكن استخدامها في أي وقت لمجابهة الأزمات. من جهته، قال رجل الأعمال سلمان الجشي ل "العربية.نت" إن قرار القيادة الحكيمة في المملكة بالاحتفاظ باحتياطيات تصل إلى أكثر من 2.75 تريليون ريال، كان حاسما في رفع التصنيف. 2- استبعاد عمل عدائي وأكد الجشي أن رفع التصنيف، يشير إلى استبعاد حدوث مخاطر سياسية تجاه السعودية، وهذا يؤخذ بعين الاعتبار عند القيام بعملية التصنيف التي تتطلب دراسات بحثية شاملة وتستند إلى بيانات مدققة. وتستبعد الوكالة في تقريرها تأثر المملكة بأي عمل عسكري نتيجة الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، كما أنها ترى في الاستقرار الداخلي عناصر قوة إيجابية تتفوق فيها السعودية على معظم دول العالم. 3- معالجة الإسكان والبطالة اعتبر تقرير الوكالة، أن جهود وزاتي العمل والإسكان، في معالجة البطالة وتقديم الدعم لتوفير المساكن للمواطنين السعوديين، من أسباب تقوية الاستقرار الاجتماعي. وعدد التقرير حقائق على أرض الواقع، لا تقبل الشك، تشير إلى نجاح السعودية أخيرا في رصد ميزانيات من أجل مواجهة توفير المساكن، والموافقة على حزمة من القوانين للتمويل بالرهن العقاري، إلى جانب النجاح في تصحيح أوضاع الإقامة لنحو 4 ملايين من العمالة الوافدة، وإعادة نحو مليون عامل إلى أوطانهم بسبب مخالفاتهم قوانين العمل. واعتبرت الوكالة أن من شأن إصلاح سوق العمل حل مشكلة البطالة على المدى البعيد، لا سيما أن نسبة توظيف السعوديين في القطاع الخاص ارتفعت بقوة الى 11.5% خلال العام الماضي، وهي نسبة مؤثرة قياسا مع التحديات. 4 – الديون الخارجية قليلة السعودية لا تحب الاقتراض من الخارج، كما أن المملكة بحسب الوكالة، ليست لديها ديون سيادية خارجية، كما أن الديون الحكومية العامة أقل بكثير من 1% من الناتج الإجمالي المحلي. ويقول الدكتور إحسان بوحليقة ل "العربية.نت" أن رفع التصنيف أهم عوامل خلق الشراكة مع الشركات العالمية وجذب المستثمرين في أسواق المال والقطاعات الأخرى، ويمكن الدولة صاحبة التصنيف من الحصول على ميزة أفضلية في عمليات التمويل. من ناحيته أكد الجشي أن المملكة "ارتأت عدم الاقتراض من الخارج، حتى لا تسمح بالتدخل في استقلالية قراراتها وتوجهاتها". 5 – الأصول الخارجية ترتفع ارتفع صافي الأصول الخارجية إلى أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2013، بشكل يعكس استثمار السعودية الحذر في أصول ذات عوائد مستقرة، كما أن الوكالة تشير الى تشابه تصنيف الاستثمارات الخارجية للمملكة مع أبوظبي والكويت، لكنها تؤكد تفوق السعودية عليهما لجهة ارتفاع قيمة الأصول بالخارج. 6 – بنوك السعودية الأقوى خليجياً تقول وكالة "فيتش" إن البنوك السعودية، تحظى بأعلى تصنيف مالي على مستوى كافة دول مجلس التعاون الخليجي. وشهدت مؤشرات السلامة المصرفية تقدما كبيرا، بحسب الوكالة مع انخفاض معدل القروض المتعثرة عن السداد إلى 1.4% من إجمالي القروض في المملكة نهاية عام 2013. كما أن لدى بنوك السعودية احتياطيات أو مخصصات محتجزة تغطي قيمة التعثر في القروض بمرة ونصف، أي بنسبة 155%، ويبلغ معدل كفاية رأس المال في مصارف السعودية نحو 17.9% بتفوق واضح على المعدل العالمي البالغ 12%.