"جهز العصابة قبل الفلقة" وأنا أبدأ مقالي هذا قد عصبت رأسي تحسباً لردة فعل بعض هؤلاء المتعجرفين!. تشعر بالسعادة الدنيوية في قمتها عند التنقل بين محطات الحياة مثل التخرج والحصول على الوظيفة والزواج والترقية ... الخ وقد تشعر بها في مواقف معينة أو في محاولة إشباع الرغبات الانسانية .. وأنا هنا أحدثكم عن فترة الإجازة السنوية التي ينتظرها الكثير منا إن لم يكن الجميع، وتزداد السعادة بهذه الإجازة عند الترتيب والتجهيز الجيد لها، أما في حالة مرور بعض المصاعب خلال السنة كمشاكل العمل والظروف المعيشية وأزمات الحياة بشكل عام أو المشاكل الصحية فبالتأكيد سوف تكون الإجازة ثالث الأعياد وبمثابة زوجة جديدة شابة وأنت في مرحلة المراهقة المتأخرة. بدأت الإجازة السنوية في الصيف الماضي وكلٌ ذهب في طريقة وعلى خطة السير التي أراد، البعض ذهب غرباً لأوروبا وأمريكا والبعض اتجه شرقاً مع من شّرق، أما أنا فقد لملمت حاجياتي البسيطة واتجهت مع عائلتي الصغيرة إلى الغرب والجنوب ولكنني لم أزر جنيف ولم أتسوق في باريس ولم أر برج إيفل حتى، بل عانقت الطائف وطفت وسعيت ثم أمضيت بعض الوقت في عروس البحر الأحمر واختتمت الإجازة في أجمل المصايف مع الوالد والأخوان في مدينة النماص .. وهنا أحسست بلحظات من السعادة الدنيوية اختلطت بقليل من بر الوالدين وامتزجت بروحانية الحرم المكي وملاطفة المعتمرين، فيالها من إجازة أفضل من التنقل بين بلاد الهند والسند وأجمل – في عيني وقلبي – من أمريكا وبقية القارات. الشاهد من هذه القصة أنني خلال التنقل بين مدن المملكة التي ذكرت لاحظت أنني انتقلت بشكل ملحوظ من التعامل مع الأشباح الذين يعيشون في نفس مدينتي إلى التعامل مع بشر بمعنى بشر (ودودين) بالرغم من اختلاف مستويات معيشتهم ولهجاتهم وعادتهم وتقاليدهم وحتى جنسياتهم، إلا أن الصفات الحميدة المشتركة بينهم تدعوك للتفكير مليئاً .. لماذا لم أجد الكثير من أمثال هؤلاء في مدينة المتعجرفين؟ وإذا كان التوفيق حليفك فستجد فيها بعض الطيبين لن تدع العلاقة بينك وبينهم تتفكك وسوف تمسك بها حتى بأسنانك! . يالروعة أهل الطائف وقوة العلاقات الاجتماعية بين أهالي جدة وبساطة أهل الجنوب، ولو أفطرت في رمضان في وسط الحرم مع المعتمرين من مختلف الجنسيات لأحسست مثلي بأنك انتقلت من مدينة المتعجرفين إلى مدن الطيبين والمتعاونين وأهل الكرم والنخوة. أعلم بأن الحكم على سكان مدينة يختلف مابين الإقامة فيها عن الزيارة في الإجازات، فلا تستطيع أن تحكم على قاطني هذه المدينة بمجرد زيارة عابرة، ولكن المواقف الجميلة فيها تتكرر؛ بينما الكثير من غير السعوديين وبعض السعوديين يعانون من مشكلة الفوقية لدى الكثير من سكان مدينتي العجيبة!، وعند تجاذب أطرف الحديث مع بعض من تعاملت معهم كموظفي الاستقبال في الفنادق والشقق المفروشة في المصايف، فما أن يسبقك لسانك وتذكر مدينتك التي قدمت منها إلا وتشاهد شحوباً في وجوه هؤلاء الموظفين وسرعة إنهاء المحادثة بينهم وبينك وكأن لسان حالهم يقول "اذن أنت من مدينة المتعجرفين". والله أعلم. سلطان علي الشهري