عندما قام المحتسبون بالتجمهر والاستعراض سواء في معرض الكتاب أو في كلية اليمامة أو غيرهما، كان (الكُتّاب) هم أول من حذّر من خطورة تلك السلوكيات، لأن التعبير عن الرأي لا يكون بهذه الطريقة التي لا يخفى على عاقل خطرها على الأمن الاجتماعي ولأنها تعطي فرصاً لتقليدها من فئات أخرى في مجتمع لا يزال بحمد الله ينعم بالهدوء والطمأنينة والتعقل بعيداً عن التجمعات والشعارات التحريضية، وعلى هذا القياس فإن تجمهر بعض النساء ومحاولاتهن قيادة السيارة بتلك الصورة التي يتردد أنها سوف تُنفذ لاحقاً لا تختلف عما قام به المحتسبون من محاولة كسر النظام العام والاستقواء عليه والتجمهر غير المحمود العواقب! ولذلك يمكن القول إنه ليس من حق السيدات اللجوء للشارع لفرض رؤيتهن وتسويق مطالبهن مهما كانت القناعة بصحة ما يطالبن به! لأنه لو أصبح الخروج للشارع أو الدخول للمهرجانات ومعارض الكتاب وتعكير صفوها والعبث بنظامها حقاً مشروعاً لكل من أراد أن يعبّر عن رأي يرى صحته لأصبح الوضع انفلاتاً، بل واستقواء على النظام والسلم الاجتماعي! فالمرأه من حقها أن تُطالب بأن تقود سيارتها بنفسها إذا كانت ترى أحقيتها في ذلك، ولكن ليس بالخروج للشارع وجلب كاميرات (CNN) و(BBC) وغيرها! لذلك فإنه يمكن القول: (لا لقيادة المرأة للسيارة) إذا كانت بهذه الطريقة الاستعراضية التي تتحدى الأنظمة المعمول بها! من جهة أخرى فإننا لو دققنا في الأمر لوجدنا أننا الشعب الوحيد الذي ما زال رهين جدل عقيم وقديم حول هل تقود المرأة السيارة أم تُقاد بها السيارة؟! بل حتى في العالم الإسلامي نُعتبر نموذجاً وحيداً! ومن يشاهد عدد السائقين عند مدارس وكليات البنات ويشاهد (الحافلات) التي تقودها العمالة وهي حافلات رديئة وقديمة تنقل النساء إلى أعمالهن وجامعاتهن سيتأكد أن بعضاً من أوضاعنا الاجتماعية يحتاج إلى إعادة نظر! حول قيادة المرأة للسيارة نقرأ رأياً متقدماً لأحمد بن باز الباحث في الشؤون الإسلامية وهو ابن الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى -! حيث يقول إن قضية قيادة المرأة للسيارة هي قضية حقوقية بالدرجة الأولى، والحديث فيها ينطلق من حقوق الإنسان التي أعطاه إياها الإسلام كحق التملك وحرية التنقل.. مؤكداً بأن قيادة المرأة للسيارة من مبادئ الحرية الأصلية غير المكتسبة، والتي تقوم أيضًا على أصل الإباحة والبراءة الأصلية فيما لا نص فيه، مبيناً أن قيادة المرأة للسيارة حق وليس أولوية، انتهى كلام أحمد بن باز، ويبدو أن أساس المنع يستند فقط إلى الخوف عليها من خروجها لوحدها وهو مبني على رغبة في حمايتها من مخاطر (محتملة) قد تحدق بها، أي أن ممارسة القيادة بحد ذاتها ليست حراماً! وبتفصيل أكثر فإن مسك المرأة ل(المقود) أو (الدراكسون) والضغط على دواسة البنزين ودواسة (الفرامل) وتشغيل المساحات، أمر مباح ولا شيء فيه! من السهل ألا نواجه المشكلة لنقول إن قيادة المرأة للسيارة متروكة للمجتمع نفسه ليحلها! ورغم حلاوة وطلاوة هذا الكلام إلا أن ذلك يعني أننا نؤخر الكثير من القضايا ولا نعطي فيها قراراً حاسماً ونجعل المجتمع في (حيص بيص)! هذا الموضوع جعلنا المجتمع الوحيد الذي يعج بالسائقين بممارساتهم ومخالفاتهم التي يتكشف بعضها ويسدل الصمت ستاره على الكثير منها سواء مع الأطفال أو مع غيرهم! الشواهد التي يمكن قراءتها من سيرورة الأمور هي أن المرأه ستقود سيارتها لأن المجتمع شئنا أم أبينا يتغيَّر والشواهد كثيرة! وسيصبح الجدل بعد سنوات - الله يعلم كم عددها - حول قيادة السيارة شيئاً من الماضي مثله مثل تعليم البنات أو الدش أو غيره، وسنشاهد السيارات ذات اللون (الوردي) و (الفوشي) تملأ الشوارع، بالرغم من أننا سنعاني من زيادة الزحمة الخانقة أو (الكثافة) كما يسميها المتحدثون المروريون!!