كان يعاني من مرض شديد سبب له مشاكل عديدة وبات معه كمن يتقلب على الجمر، وبينما هو في شدة أزمته عُرض عليه لقاح سيشفيه بإذن الله، ويحقق معه مكاسب لا حصر لها! منها أن زوجته ستحبه أكثر وأنه سيتعامل مع أبنائه بطريقة أفضل، كذلك أكد له مديره أنه بعد العلاج سيزيد راتبه، والمفاجأة أن هذا الشخص رفض أخذ العلاج رفضا قاطعا رغم أنه شبه مجاني! فما هو حكمك عليه؟ لا أشك أنك ستصفه بالعته والحمق ولن تُلام في هذا! في رأيي أن المرض الأشد فتكا والأكثر شراسة والأقوى أثرا والأعظم ضررا في تاريخ البشرية ليس (الإيدز) رغم ذهول الأطباء منه وعجزهم عن اكتشاف علاج له وليس (الإيبولا) وشراسته وفتكه بالملايين ولا أظنه شلل الأطفال والذي كان سببا في إعاقة الملايين من الصغار، بل أعتقد أن هناك مرضا أشد خطورة وفتكا وذلك لأنه يُسبب عددا من المشكلات الجسدية والذهنية والعاطفية ما لا تسببه جميع الأمراض الفتاكة مجتمعة فهو يفتت المواهب ويعطل القدرات ويشرد العوائل وهو كذلك يساعد على تزايد نسب المدمنين ويرفع كثيرا من نسب البطالة المهنية والعقلية! هذا المرض هو مرض (تصلب الأفكار) حيث الإصرار على الرأي وإن بدا تفاهته وضعفه، والمصابون به أصحاب (عقول إسمنتية) لا تحفل بالجديد ولا تراعي التطوير ولا تتراجع عن الأخطاء فهي كالإسمنت لا يسمح للهواء ولا الضوء أن يتسرب للداخل! عقول مشوشة متحجرة متصلبة جامدة وغير قابلة أبدا للتغير والتجديد، والعقل كما هو معلوم أقرب ما يكون للباراشوت والمنطاد لا يعمل إلا إذا كان مفتوحا!! وواحد هؤلاء لو قلت له: لو نظمت وقتك واعتنيت بصحتك وهذبت أخلاقك ولطفت كلماتك واحترمت مواعيدك وتعاملت برقي مع الآخرين وتحليت بجدية أكبر في حياتك لكان حالك أفضل ومستقبلك أجمل، ولكنك تجده رغم كل تلك المغريات يكابر مستنكفا عن التغيير وربما انقلب عليك وأسمعك من جارح الكلام وصاعق القول لكونه نصحته! راضيا من دهره بالدون، وقانعا من زمانه بالنصيب الأخس ولسان حاله يقول: لقد أنلتك أذْنا غير واعية ورب مستمع والقلبُ في صَمَم! وأصحاب العقول الإسمنتية موجودون منذ وجدت البشرية فهؤلاء قوم يجادلون نبيهم بسذاجة وسطحية وتصلب رأي عندما قال لهم:أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم،... فردوا عليه بغباء فاضح وقالوا: إنا بما أرسلتم به كافرون!! بمعنى لو أتيت بآيات أجمل أو أهدى أو أنفع أيا ما كان حال تلك الآيات فلن نؤمن بها!! عقول متحجرة وقلوب غلف وبصائر عمي! ولم أر أشد حماقة وغباء من أبي جهل عندما قال: {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ولم يقل الشقي: فاهدنا له أو ارحمنا أو تجاوز عنا! «وهناك مثل جميل يحكي الواقع الأليم لأصحاب العقول المتحجرة وهو مثل: (عنز ولو طارت) وقصته تحكي عن اثنين كانا يسيران في أحد الحقول فشاهدا خيالا بعيدا في وسط الحقول، فقال الأول إنه طائر، والثاني وكان صاحب (عقل إسمنتي) أصرّ على أنها عنز. فاتفقا أن يرمياها بحجر من بعيد فإن طارت فهو طائر وإن بقيت فهي عنز، فرمياها فطارت!! فإذا بالمكابر يقول مصرا على رأيه: عنز، ولو طارت!! ما أروع أن نملك فهما ناضجا وعقلا رزينا واعيا نسمع النصح ونرخي السمع للنقد البناء نتلمس كل يٌحسّن حاضرنا ويجمل مستقبلنا دون تعرض لثوابتنا وقيمنا الراسخة وعندها أقول إن حياة جديدة جميلة ستبدأ لنا! ومضة قلم: أُحب الضوء لأنه ينير لي الطريق ولا أرفض الظلام ففيه النجوم.