أكدت الهيئة العالمية للتعريف بالرسول عليه الصلاة والسلام ونصرته، أمس، أن الدكتور طارق الحبيب هاتف مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وأبدى قناعته بخطأ مفردة النقص على حد تعبيره والتي وصف بها شخصية النبي صلى الله عليه وسلم في مقابلة تلفزيونية، وأنها غلط وخطأ كبير، ووعد بإعلان ذلك محرراً مكتوباً. وكان الحبيب قد قال عن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم : "قراءتي النفسية لما حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان مُقبلاً، وكان يُصنَع للنبوة، كان ناقصاً في شخصه، نعم كان ناقصاً قبل النبوة أتكلم. لماذا؟ لأنه لم يترب في حضن أمه، فكان كاملاً في صفاته الأخلاقية الجميلة، لكن حنان الأم لم ينله، ولذا عند الزواج كان لزاماً أن يتزوج من امرأة فيها صفات الأمومة، لا صفات النضج فقط، وإنما صفات الأمومة. احتاج خديجة فتزوجها حباً فيهاً، لكن خديجة في هذا الوضع أشبعت نقصاً في شخصيته، لما بلغ الأربعين كان جزءاً من تكميل النبوة أن خديجة كانت في طريقه". وبيّنت الهيئة أن المفتي أبدى امتعاضه الشديد واستنكاره العظيم لهذه الألفاظ، ودعا المتكلم بها إلى البراءة منها واستغفار الله من لازمها، وقال: نشهد الله والملائكة والناس أجمعين على أن نبيه ومصطفاه محمداً عليه الصلاة والسلام كامل مكمل، حاشاه من أي نقصٍ أو عيبٍ يُنسَب إليه. وأوصى الهيئة بالاستمرار في نهجها في الدفاع عن المصطفى عليه الصلاة والسلام وعن جنابه الشريف. وفيما يلي نص البيان: "تابعت الأمانة العامة للهيئة العالمية للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته ما صدر عن الدكتور طارق بن علي الحبيب حول شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وجاء في سياق كلامه قوله: " قراءتي النفسية لما حدث: أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان مقبلاً، وكان يُصنَع للنبوة، كان ناقصاً في شخصه، نعم كان ناقصاً قبل النبوة أتكلم. لماذا؟ لأنه لم يترب في حضن أمه، فكان كاملاً في صفاته الأخلاقية الجميلة، لكن حنان الأم لم ينله، ولذا عند الزواج كان لزاماً أن يتزوج من امرأةٍ فيها صفات الأمومة، لا صفات النضج فقط، وإنما صفات الأمومة. احتاج خديجة فتزوجها حباً فيها، لكن خديجة في هذا الوضع أشبعت نقصاً في شخصيته، لما بلغ الأربعين كان جزءاً من تكميل النبوة أن خديجة كانت في طريقه". ولما كان هذا الكلام واضحاً في الإساءة للمعصوم صلى الله عليه وسلم ولمقام النبوة وخطأً بيناً وغلطاً فاحشاً استنكره أهل الإسلام وأنكروه على قائله، علاوة على ما تضمنه من أخطاء في قراءته للسيرة النبوية، فقد بادرت الأمانة العامة للهيئة لاستيضاح الكلام من صاحبه، وتم عرضه على سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ؛ فأبدى امتعاضه الشديد واستنكاره العظيم لهذه الألفاظ، ودعا المتكلم بها إلى البراءة منها واستغفار الله من لازمها، وقال: نشهد الله والملائكة والناس أجمعين على أن نبيه ومصطفاه محمداً عليه الصلاة والسلام كامل مكمل، حاشاه من أي نقص أو عيب ينسب إليه. وأوصى الهيئة بالاستمرار في نهجها في الدفاع عن المصطفى عليه الصلاة والسلام وعن جنابه الشريف. ولما كان رجوع المخطئ عن خطئه وإعلان براءته من زلته هو المسلك الأسلم الذي يحقق المقاصد الشرعية فقد تواصلت الأمانة العامة للهيئة مع الدكتور طارق الحبيب وبيّنت له خطأ كلامه ووجوب البراءة منه ، وما يجب من احترام مقام النبوة وعدم الجرأة بإسقاط المقاييس والنظريات النفسية وما شابهها من العلوم النظرية على شخص المصطفى عليه الصلاة والسلام ولا على إخوانه من النبيين، فإنهم صفوة الخلق أجمعين. وبيّنت له الأمانة العامة للهيئة أن هذا هو ما وجّه به سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية ونصحته بأن يتصل مباشرة بسماحته ورتبت لذلك. وكان من نتيجة هذا الاتصال أن أبدى الدكتور الحبيب قناعته بخطأ مفردة النقص على حد تعبيره والتي وصف بها شخصية النبي صلى الله عليه وسلم في مقابلة تلفزيونية، وأنها غلط وخطأ كبير. ووعد بإعلان ذلك محرراً مكتوباً. فنرجو الله أن يتجاوز عنا وعنه. وفيما يتعلق به بعض مَن يخطئ في هذا الباب بأنهم يفرقون بين حال النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها، فقد وضح القاضي عياض رحمه الله في كتابه الشفاء هذه القضية وبراءة الجناب النبوي من النقص قبل النبوة وبعدها فقال عن المعصوم صلى الله عليه وسلم : "يجوز عليه من الآفات والتغييرات والآلام والأسقام وتجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر، وهذا كله ليس بنقيصة فيه، لأن الشيء إنما يسمى ناقصاً، إضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه". وأما ما جاء في بيان سابق للدكتور الحبيب بأن الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي سبقه لهذا الوصف للنبي صلى الله عليه وسلم في تفسير سورة الضحى، ويعني بذلك قول الشيخ السعدي رحمه الله: " فالذي أزال عنك هذه النقائص، سيزيل عنك كل نقص، والذي أوصلك إلى الغنى، وآواك ونصرك وهداك، قابل نعمته بالشكران". فحاشا الشيخ العلامة المفسر السعدي أن يكون منتقصاً أو عائباً للمصطفى عليه الصلاة والسلام ، وليت الدكتور الحبيب نهل من معينه واقتصر على عبارته، ففرق بين كلام الرجلين أبعد مما بين المشرق والمغرب، فالشيخ السعدي يؤكد أن الله أزال عن نبيه نقائص الحاجة فلم يعرضه لها وأغناه وكمله بولايته له جل وعلا. بينما الدكتور الحبيب كان يؤكد نقص شخصية النبي عليه الصلاة والسلام ويلح في ترسيخها بأكثر من أسلوب. ومن قبل حذّر العلماء من شطط القول وتحكيم وهن العقل في سياق فهم هذه الآيات، فقال العلامة القاضي عياض رحمه الله في الشفاء بتعريف حقوق المصطفى مبيناً دلالة آيات سورة الضحى: "ذكَّره بهذه المنن ، وأنه على المعلوم من التفسير لم يهمله في حال صغره وعيلته ويتمه، وقبل معرفته به، ولا ودعه ولا قلاه، فكيف بعد اختصاصه واصطفائه". وأفاض القاضي عياض رحمه الله في كتابه الشفا في توضيح دلالات الآيات القرآنية التي قد يتعلق بها بعض مَن لم يفهم خطاب الشريعة وجزالة عباراتها. وتذكَّر الأمانة العامة للهيئة العالمية للتعريف بالرسول ونصرته كلَّ مَن يتناول تفسير الآيات القرآنية وشروح الأحاديث النبوية، وبخاصة غير المتخصصين في علوم الشريعة، بأن مقام النبوة مقامٌ محميٌّ بحماية الله . قال الله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام/124]. وقال سبحانه بعد أن ذكر بعض أنبيائه ورسله: (وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأنعام/87]. فهو الاختيار والاجتباء والاصطفاء الذي ينفي عن الأنبياء أي نقصٍ أو عيبٍ. وقال الله تعالى عن نبيه محمد عليه الصلاة والسلام وما اختصه به من مزيد التفضيل والتشريف على إخوانه من النبيين: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) [الطور:48]. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : أي: اصبر على أذاهم ولا تبالهم، فإنك بمرأى مِنَّا وتحت كلاءتنا، والله يعصمك من الناس. ا.ه. فهذه الآية الكريمة فيها من الرفق بالرسول عليه الصلاة والسلام ومن الرعاية له، ما يعجز القلم عن وصفه. إذ كيف يستطيع القلم وصف حال إنسان قال الله في شأنه: (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا). فكيف ينسب بعد هذا أي وصف بالنقص لمن اختصه الله بهذه الرعاية الجليلة. وحتى لا يتساهل الناس بمقام النبوة تحت مبرر بشريتهم أو غيره من المبررات فقد أوجب الله تعالى توقير نبيه عليه الصلاة والسلام وتعزيره، فقال سبحانه: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) [الفتح:48] قال ابن كثير: قال ابن عباس وغير واحد: (وَتُعَزِّرُوهُ) يعظموه، (وَتُوَقِّرُوهُ) من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام. ووعد من سلك هذا السبيل القويم بالفلاح: (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف:7]. وعلَّم الله المؤمنين كيف يخاطبون النبي عليه الصلاة والسلام، وأن يعظموه ويجلوه، وألا يخاطبوه ولا يصفوه إلا بما يليق بمقامه الشريف ، فقال سبحانه: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) [النور: 63]. قال الحافظ ابن كثير: قال الضحاك عن ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله، عن ذلك، إعظاماً لنبيه صلوات الله وسلامه عليه . قال: فقالوا: يا رسول الله، يا نبي الله. وقال قتادة: أمر الله أن يُهَاب نبيُّه، وأن يُبَجَّل وأن يعظَّم وأن يُسَوَّد. وقال مالك عن زيد بن أسلم في قوله: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) قال: أمرهم الله أن يشرِّفوه. فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم والكلام معه وعنده كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته. انتهى كلام ابن كثير ملخصاً. وقد أفاض كلٌّ من العلامة القاضي عياض اليحصبي المتوفى عام 544 للهجرة في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، وشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني المتوفى عام 728 للهجرة في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول، أفاض كل منهما في بيان وجوب تعظيم جناب المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وبيَّنا العقوبة الواجبة في حق من تنقصه. فالمقام مقام عظيم، والمسألة ليست آراءً شخصية أو منطلقات ذاتية، ولكنها النبوة والرسالة، فمن تنقص أهلها فإنما يتنقص مرسلهم. وتود الأمانة العامة للهيئة أن تعرب عن اعتزازها الكبير بالموقف الشرعي الواضح الذي وقفته جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم نصرة لنبيها وقياماً بحق التوقير له عليه الصلاة والسلام وإنكار هذا الخطأ كائناً من كان المخطئ في حقه عليه الصلاة والسلام ، فمقام رسولنا صلى الله عليه وسلم أشرف وأكرم من كل اعتبار. والله نسأله أن يعيذنا جميعاً من زيغ الأفهام وزلل اللسان، وأن يوفقنا لحُسن الاقتداء بالمصطفى عليه الصلاة والسلام ، والقيام بحقوقه والدفاع عن جنابه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الرياض 28/7/1432ه أ. د. عادل بن علي الشدي الأمين العام للهيئة العالمية للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته