جاءني صوتُها عبر الهاتف حزيناً بائساً، وأحسست وقتها أني أتحدث مع عجوزٍ قد صال وجال عليها الدهر، إلا أنني فوجئت بعد دقائق من المحادثة التليفونية بأني أتحدث مع شابةٍ جامعيةٍ خريجة رياضيات بتقدير جيد جداً ، فسألتها عن سبب الحزن العميق الذي بدا واضحا في صوتها، وهل تحتاج إلى مساعدة من أهل الخير؟ بيد أنها فاجأتني بردها، كما فاجأتني بصوتها، وردّت عليّ قائلة: أنا لست بحاجة إلى إعانة من أحد إنما في حاجة ماسة إلى استرداد حقوقي التي سلبها المجتمع مني . بهذه الكلمات بدأت "أ .م الحربي" حوارها ل "سبق"، متحدثة عن قصتها منذ أن تخرجت في كلية العلوم قسم الرياضيات بتقدير جيد جداً عام 1988 وحتى الآن، وقالت : هُضٍمَ الكثير من حقوقنا بعد وفاة والدي منذ 19 عاماً إلا أننا صبرنا أنا وإخوتي طيلة أعوامنا الماضية وكنت دائماً على يقينٍ تام بأن الأيام ستفتح لنا ذراعيها عن قريب. سكتت فجأة عن الكلام ثم تابعت: كنت كلما أحلم بشيء وأتمنى أن أقتنيه كأي شابة في عمري، أصبِّر نفسي دائماً وأقول لها "سأقتنيه بعد الجامعة" وعليَّ أن أتعب حتى أنول الشهادة العظمى التي تخيلت أنها ستجعلني أملك الدنيا بما فيها، إلا أنه ومع الأسف الشديد أتت الرياح بما لا تشتهي السفن . وأضافت الحربي: رغم بذلي جهداً كبيراً في البحث عن الوظيفة، حيث كنت أُقدِّم ما لديَّ في المقابلات والملفات، إلا أن الملفات تُؤخذ وتُوضع في الأدراج لتحل محلها ملفاتُ أشخاصٍ جاءوا بالواسطة وليس بالكفاح والشقاء، لكني دائما على ثقةٍ كبيرةٍ بالله أولاً ثم بقدراتي، ولا أعلم أي خطأ اقترفته سوى أني حلمت بأيام قادمة أفضل، وتمنيت أن يسمع وطني آهات صوتي اليتيم. تذكرت الحربي حلمها وهي صغيرة، مثل أي فتاة في عمرها.. ملذات وألعاب عديدة كانت تحلم بها ولم تشبع أحلامها وبقيت في مخيلتها بقايا أحلام ضائعة، وقالت: حتى عندما كبرت كنت أحلم بطموحات تعليمية لم أجد مَن يشبعها ويغذيها بداخلي، كان لديّ شغفٌ كبير بدراسة كل ما يختص بتقنية الحاسوب وكالعادة بقيت أحلاما وطموحات. وتواصل حديثها بألمٍ وحسرة وتقول: لم أستطع أن أدفع تكاليف أي معهد لاستكمال دراستي وتنمية حب التعليم بداخلي، حتى صرخت بما أوتيت من قوةٍ وبكل ما يمكنني إرسال صوتي إليه، إلا أن صوتي لم يجد أي صدى. سألتها ألا تبدين مبالغةً في غضبك وحزنك فأنت ما زلت في ريعان شبابك، فردّت بقولها :أنا لست كأي شخصٍ آخر لديه أبٌ يصرف عليه ويتولى أمره من مقتنيات الحياة والمأكل والملبس، ولكني توليت نفسي منذ نعومة أظافري، بيد أني مللت أن أربي آمالي وأحلامي ومطالبي على حصير التصبير. وقالت: أحزن كثيرا عندما أرى وطني يمنح الملايين في الملاعب والمحافل، ويصعب عليه توفير وظيفة لفتاة تحلم أن تعيش حياة كريمة وتلبي رغباتها الدفينة. وأضافت : أصبحت أشعر في بعض الوقت أننا أسرة لم يحالفها الحظ بتاتا، فأخي المعاق سمعيا تم تكريمه من قبل إمارة منطقة المدينةالمنورة ،إلا أنه لم ينل نصيبه من إتمام التعليم، والسبب دائماً الظروف. في نهاية حديثها قالت: لن أقبل بالإعانة ولست في حاجة إليها لأني أحمل الشهادة، وأمتلك القدرة والكفاءة على أن أعمل بأي مجال وليس بشهادتي فقط. وناشدت الحربي عبر "سبق" المسؤولين أن يجد طلبها صدى وأن تتحقق أمنيتها في وظيفة قبل أن تدخل سن التقاعد، واختتمت كلامها قائلة: صوتي اليتيم سأم النداء بالوظيفة وليس الإعانة، وأملي من وطني أن يمنحني الحق في حياةٍ كريمة أشعر أنها حقٌ من حقوقي على وطني .