استنكر عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة، الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، العمل الإرهابي الذي وقع في مسجد قوة الطوارئ الخاصة بمنطقة عسير، وأسفر عن استشهاد عدد من رجال الأمن وإصابة آخرين؛ مؤكداً أن الذي زّج بنفسه في هذا العمل الإرهابي قد خالف شرع الله عز وجل. وقال "الفوزان": "منفّذ هذا العمل الإرهابي من الجهّال الذين غرّر بهم أعداء الإسلام، وجعلوهم يتولون موضوعات عديدة لا عِلم لهم بها؛ ليصبحوا أداة في أيديهم، وينفذوا أفكارهم العدائية ضد أمتنا؛ بزعم أن ذلك مرضاة لله عز وجل وجهاد في سبيله، وهم في الحقيقة يعصون الله ويجاهدون في سبيل الشيطان من أجل خراب الأمة الإسلامية".
وأضاف: "هؤلاء الجهّال ارتكبوا في حادثة مسجد قوة الطوارئ الخاصة في عسير جريمتين؛ الأولى: قتل الأنفس البريئة وهي تصلي لله في بيت من بيوته، وهذا الجرم من الأعمال الآثمة في حق الإسلام والمسلمين؛ حيث قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}".
وأردف "الفوزان": "الجريمة الثانية هي انتهاك حرمة بيت من بيوت الله سبحانه وتعالى التي بُنيت لطاعته عز وجل، وذُكِر اسمه جل جلاله فيها، كما قال في كتابه الكريم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ...}، كما أن المساجد هي دور أمان وعبادة ومحل قراءة للقرآن الكريم، ولم تكن على مر عصور الإسلام معاقل للمخربين والمفسدين".
وأكد عضو هيئة كبار العلماء: "من يشارك في مثل هذه الأعمال الإرهابية يكون قد أهلَكَ نفسه وغيره بغير حق؛ لأن نصوص كتاب الله تعالى وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم حرّمت نشر الرعب بين المسلمين وإرهابهم، أو الخروج عن الجماعة، ونحذّر الجهلة من أن يكونوا أداة سهلة في أيدي العدو فينفذوا خططهم الدنيئة ضد الإسلام والمسلمين بدون أن يدركوا شناعة ما يقومون به ضد إخوانهم".
ولفت النظر إلى أن الكثير من الجهال يستعجلون في تصرفاتهم دون امتلاكهم للعلم الشرعي الكافي، ويتحدثون أمام العامة في الكثير من الأمور الخاصة بالأمة؛ علماً بأن ذلك لا يجب شرعًا؛ لأنه من اختصاص أهل الحل والعقد الذين يتولون بحث مثل هذه الأمور، وينظرون في أصلحها.
وقال الشيخ "الفوزان": "الهدف من قصر مناقشة أمور الأمة الخاصة على أهل الحل والعقد لا على العامة، هو لمنع تخبط الناس في القول وبيان ما ينفع الأمة، وصد محاولات أعداء الدين في إدخال شرورهم بيننا عن طريق هؤلاء الجهّال؛ مستدلاً بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}".
وحذّر مِن تناول الأمور الشرعية ونشرها عبر مختلف الوسائل دون الإلمام بالعلم الشرعي المستند للكتاب والسنة؛ لأن في ذلك تشويش على المسلمين وفتنة لهم، ومخالفة لشرع الله الذي يأمرنا بأن نرد الأمور لأهل الحل والعقد من العلماء وولاة الأمر؛ وفقاً لقوله تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}.
وأكد "الفوزان" أهمية الالتفاف حول علماء الأمة الراسخين في العلم للاستفادة منهم؛ لأن ذلك أجمع للكلمة، وأحفظ للأمن، وأحوط للأمة؛ مفيدًا بأن الأمة لم تُصَب إلا بأمثال هؤلاء الذين يتخبطون بغير علم؛ بزعم أنهم على حق وهم في الحقيقة على باطل، ويتجاهلون ما أَمَرَنا الله به في أن نردّ الأمور إلى نصابها وأهلها تحقيقاً للخير والصلاح.
وقال: "لا بد أن نمسك بِيَد العلماء وولاة الأمر، وننبذ الفُرقة والاختلاف؛ مستدلاً بقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}، وإن معنى سداد القول في هذه الآية الكريمة هو الرجوع إلى أهل الحل والعقد، والتمسك بما ورد في الكتاب والسنة حتى تنضبط الأمور، ولا يبقى مجال للأعداء والمتربصين بالمسلمين".
ودعا الدكتور صالح الفوزان إلى تحصين الشباب من الأفكار الضالة التي يروّج لها الأعداء بأساليب مختلفة قد يستحسنها البعض؛ لقلة علمهم وعدم إدراكهم؛ وذلك من خلال تعليمهم العقيدة الصحيحة المبنية على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وأشاد بكتاب "العقيدة الواسطية" لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي تناول فيه ما ينبغي على المسلم أن يسير عليه في حياته مع نفسه، وأهله، ومجتمعه؛ وفق منهج السلف الصالح.
وناشد الأسرة -ممثلة في الوالدين- أن تعتني بتربية أبنائها التربية الحسنة، مع التزام الحوار معهم بالتي هي أحسن، وحثّهم على تعلم العلم النافع، والاهتمام بالدراسة، وإحضارهم معهم في كل صلاة منذ صغرهم حتى يلتقوا بكبار السن وأهل العلم ويتعلموا منهم ما ينفعهم في سبيل مرضاة الله عز وجل؛ لكي يتربوا على الفضيلة تربية عملية تعتمد على المنهج الشرعي السليم، قبل أن يتلقفهم رُفَقَاء السوء والضلال والتجمعات المشبوهة.
ودعا الدكتور صالح الفوزان، الله أن يتغمد شهداء حادثة تفجير مسجد قوة الطوارئ الخاصة في عسير، بواسع رحمته، ويُلهم ذويهم الصبر والسلوان، وأن يشفي مَن أصيب ويخرجه سالماً معافى.