ينتظر أهالي محافظة القريات ومناطق شمال المملكة عامة بشغفٍ كبير, لحظة التشغيل الفعلية لقطار الشمال للرّكاب والذي ستنتهي معه - بمشيئة الله - معاناتهم الكبيرة التي لازمتهم منذ النشأة واستمرت معهم حتى اليوم, إذ تتمّثل هذه المعاناة في قلة توفّر وسائل المواصلات الحديثة والمختلفة. ومن المنتظر أن تُنهي رحلات "قطار الشمال" تلك المعاناة، فهو بلا شك سيغني الآلاف من السكّان عن اللجوء لركوب السيارات لقطع آلاف الكيلو مترات من أجل البحث عن العلاج أو الدراسة أو لمباشرة عمل أو دورة تدريبية بالعاصمة الرياض أو غيرها من مدن المملكة.
جفاف دماء واختفاء أشلاء
"قطار الشمال".. كما يُسمى ويُعرف، هو حلم أهل الشمال الذي يتأملون فيه - بإذن الله - أن يكون نهاية علاقة وثيقة جمعت دماء أبنائهم وأشلائها مع الطرق البرّية التي تربطهم مع بقية مدن المملكة والتي فقدوا بسببها المئات من أبنائهم وأقاربهم وأصدقائهم، إذ يتضرّعون إلى الله أن يكون تشغيل قطار الرّكاب هذا بداية لجفاف البقع الحمراء التي اعتادوا مشاهدتها على الطرق السوداء الطويلة واختفاء المشاهد المروّعة لحوادث الطرق.
رحلة واحدة يومية ل200 ألف نسمة
محافظة القريات - التي يصل تعداد سكانها اليوم إلى 200 ألف نسمة - تفتقر لوسائل النقل العام الكبيرة، إذ لا يتوفر منها سوى وسيلة الطيران التي تقدّم فقط رحلات جوّية محدودة جداً لعدد معيّن لمدن المملكة، تتمثّل في رحلة واحدة فقط يومياً لمدينة الرياض ورحلتين أسبوعياً إلى جدة وتبوك، ولا رحلات أخرى لأي من مدن المملكة الأخرى رغم الطلب الكبير عليها - خصوصاً في الإجازات - والذي يتسبّب في إغلاق الحجوزات للقريات مبكراً لمدة تتجاوز الشهر قبل موعد الرحلة المحدّد.
ولإنهاء هذه المعاناة الكبيرة، ينتظر أهالي القريات لحظة تشغيل رحلات "قطار الرياض - القريات" خلال الأشهر القليلة المقبلة، حيث يأملون من خلالها بداية مرحلة جديدة لهم مع وسائل النقل العام والتي ستختصر لهم المسافات والوقت والجهد وكذلك المال، وستسهّل عليهم عملية التنقّل والسفر لمدن مثل الرياض وبريدة وحائل وغيرها، قد تمتد مستقبلاً لتربطهم ببقية مدن المملكة بمشيئة الله تعالى .
وسيلة نقل آمنة واقتصادية
وأوضح ل"سبق" المدير العام لإدارة المشاريع في الشركة السعودية للخطوط الحديدية "سار" الدكتور "بشار بن خالد المالك"، أن شركة "سار" بدأت منذ نحو شهرين في اختباراتها التشغيلية لقطار الركاب، مبيناً أن "سار" تهدف من خلال اختبارات التشغيل للتأكد من جاهزية قطارات الركاب وسلامتها عند البدء الفعلي للتشغيل مستقبلاً، كما تسعى الشركة من خلال مراحلها التجريبية الحالية إلى الوصول التدريجي للسرعة القصوى وهي حوالي 200 كيلو متر في الساعة للقطار.
وأشار الدكتور "المالك"، أن "سار" ستقوم بتشغيل نوعين من قطارات نقل الركاب "نهارية وليلية"، حيث تتكون النهارية من قاطرتين وتسع عربات: أربع عربات للدرجة الاقتصادية، وثلاث عربات لدرجة رجال الأعمال، وعربة الوجبات الخفيفة، وعربة لنقل الأمتعة وبسعة 444 راكباً.
وأردف: العربة الليلية والتي خصّصت للمسافات الطويلة، تتكون من قاطرتين، و13 عربة: ثلاث عربات للدرجة الاقتصادية، وعربة واحدة لدرجة رجال الأعمال، وثلاث عربات لمقصورات النوم، وأربع عربات لشحن السيارات، وعربة الوجبات الخفيفة، وعربة لنقل الأمتعة، بسعة 377 راكباً لكل قطار. وتتوفر في قطارات "سار" دورات مياه تحوي بعضها تجهيزات لذوي الاحتياجات الخاصة، كذلك حرصت الشركة على تخصيص أماكن لأداء الصلاة و توفير شاشات كبيرة في الممرات لعرض معلومات الرحلة.
ولفت "المالك" إلى أن قطارات سار للرّكاب ستنطلق من العاصمة الرياض من خلال محطّة الرّكاب الواقعة في مطار الملك خالد الدولي، مروراً بمحطات المجمعةوالقصيم وحائل والجوف حتى الوصول إلى محطة القريات، مؤكداً أن شركة "سار" تهدف من خلال قطاراتها السريعة، إلى توفير وسيلة نقل آمنة واقتصادية تحظى بالثقة من عملائها.
مواطنون: نقلة نوعية وتجارية واجتماعية
"القريات".. لم تشهد مشروعاً كبيراً وحيويّاً بحجم مشروع قطار "سار" للرّكاب والذي سيربط الرياضبالقريات، حيث من المتوقّع - بمشيئة الله - أن يُحدث نقلة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة للمدينة التي تستحق مثل هذه المشاريع نظراً لموقعها الجغرافي المميّز وأجوائها الصيفية اللطيفة، كما أنها تعتبر البوابة الشمالية الأولى للمملكة باتجاه الشام وتركيا وما وراءهما.
وحول هذا المشروع الكبير عبّر عدد من المواطنين ل"سبق" عن سعادتهم بقرب تشغيل هذا المشروع, حيث قال المواطن " إبراهيم الرويلي": قطار الشمال هو أول مشروع حقيقي يشعر به أهالي الشمال الذين يرون به النهاية بإذن الله لمسلسل الحوادث المرورية على الطرق السريعة التي أفقدتهم العديد من أقاربهم.
أما المواطن "خالد العازمي" فيقول: نحن بانتظار تشغيله والذي معه بعون الله سوف يشهد شمال المملكة والقريات خاصة نقلة نوعية كبيرة بكافة المجالات .
كما يرى المواطن "محمد الشراري" أن قطار الشمال هو حلم أهل الشمال الذي سيخفف الضغط على الطرق السريعة وحجوزات الطيران وبهذا يصبح لدى المواطن والمقيم أكثر من وسيلة نقل يمكنه الاختيار فيما بينهما, وتمنى المواطن "عبدالله العنزي" أن تكون أسعار حجوزات القطار مناسبة للمواطن وأقل نسبة من أسعار الطيران حتى يكون استخدامها متوافراً بأيدي كافة فئات المجتمع .
"سار" تنجز مسار "قطار الشمال"
علمت "سبق" أن شركة "سار" أنجزت مشروع خط السكّة ل"قطار الشمال" الممتد من القريات شمالاً حتى الرياض، إذ يبلغ طول الخط الحديدي من محطة الركاب في القريات حتى محطة الرياض نحو 1242 كيلو متراً.
وفيما يخص مشاريع محطات الركاب وورش الصيانة والمباني المساندة، فقد أنهت الأعمال في معظم المواقع، وتقوم "سار" حالياً بالبدء في إجراءات استلام هذه المشاريع ومن ضمنها محطات الركاب في كل من المجمعةوالقصيم وحائل والجوف والقريات، إضافة إلى محطة الرياض، وتتكون كل محطة من ثلاثة أدوار، تحتوي على صالة للوصول وأخرى للمغادرة ومنطقة لشحن الحقائب، كما تحتوي على ساحة للمطاعم والمحلات التجارية ومكاتب لخدمات السياحة وتأجير السيارات والبريد. كما يضم مبنى المحطة مركزاً للاتصالات والتحكم لمتابعة القطارات ومكاتب إدارية وأمنية ومرافق أخرى لخدمات المبنى ومسجداً يتسع لثلاثمائة مصل.
كما أكملت الشركة إنشاء ورشة الصيانة الرئيسية بالنعيرية وتمكنت من تشغيل مرافقها، إذ تحوي ورشة لصيانة القاطرات وأخرى لصيانة المقطورات وعدداً من الورش الأخرى ومبنى لخدمات الشحن، إضافة إلى المستودع الرئيسي و محطة للتزود بالوقود.
كما أنجزت شركة "سار" جزءاً كبيراً من مشاريع المباني المساندة والتي تتوزع على امتداد السكة الحديدية، إضافة إلى إنشاء مركز التحكم والتشغيل الرئيسي، وإنشاء 179 برجاً للاتصالات والإشارات على امتداد طول السكة، وكذلك توفير أجهزة التحكم بالقطارات، وتوفير أنظمة للاتصالات في محطات الركاب ومباني الصيانة، وتوفير أجهزة التحكم الآمن للسكك الحديدية والقطارات.
الجدير بالذكر أن الشركة السعودية للخطوط الحديدية "سار" أنشئت عام 2006م بهدف تنفيذ وتشغيل شبكة خطوط حديدية تربط بين عدد من مدن المملكة، لتوفير وسيلة نقل آمنة للركاب المسافرين بين المناطق وتكون وسيلةً ذات اعتمادية عالية في نقل البضائع، ونجحت خلال خمس سنوات في تدشين باكورة خدماتها على خط التعدين الذي يمتد مسافة 1400 كيلو متر من مناجم الفوسفات بحزم الجلاميد في أقصى الحدود الشمالية للمملكة مروراً بمنجم البوكسايت في (البعيثة) بمنطقة القصيم، ووصولاً لمعامل التكرير في رأس الخير على الخليج العربي، والشركة أنجزت مؤخراً نقل ما يزيد عن سبعة ملايين طن، أزاحت بها أكثر من 280 ألف شاحنة عن الطرق العامة، كما وفرت ما يزيد عن 550 ألف برميل من الديزل المقدّر استهلاكه لو تم نقل نفس الكمية عن طريق الشاحنات.