من جديد عاد الحديث عن مؤتمر جنيف الذي أعلنت عنه الأممالمتحدة سابقاً للحوار بين القوى اليمنية المساندة للشرعية والمليشيات الانقلابية بشقيها صالح والحوثي، وذلك عقب زيارة جديدة للمبعوث الأممي إلى صنعاء وإلى الرياض ولقائه بالرئيس هادي ومن قبله ممثلين عن زعيمي المليشيا الحوثي وصالح. كما هو معلوم فإن اتفاق السلم والشراكة وقبله مؤتمر الحوار الوطني، كان برعاية من الأممالمتحدة وبإشراف مبعوثها السابق جمال بن عمر، غير أن المليشيات الحوثية وحليفها المخلوع صالح لم يلتزما بأي اتفاق سواء كان برعاية إقليمية أو أممية ابتداء من المبادرة الخليجية وصولاً إلى اتفاق السلم والشراكة الذي منح المليشيات نصيباً رغم أنها لم تشكل أي كيان سياسي معترف به كما هو حال الأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى الموقعة على الاتفاق.
ويعد المسار السياسي أحد أهداف عملية إعادة الأمل خاصة أن المملكة العربية السعودية سبق أن كررت ترحيبها بأي تحركات سياسية، وآخر ذلك ما قاله وزير خارجية المملكة العربية السعودية قبل يومين أثناء لقاءه وزير الخارجية المصري.
مؤتمر جنيف الجديد سبقه انقلاب ميليشياوي عسكري على السلطة الشرعية واحتلال مسلح للمحافظات اليمنية وعمليات قتل وتدمير وحصار خانق للمدن أنتج وضعاً إنسانياً كارثياً يحتاج لتجاوزه فترة أطول من عمر التشكيل المليشاوي الدموي الذي تسرب للجسد اليمني كغدة سرطانية بدأت من صعدة لتصل إلى جنوب وغرب وشرق اليمن محمولة على جناح الجيش العائلي التابع للمخلوع صالح وأفراد أسرته وقبيلته ومذهبه أيضاً.
وإذا كان اتفاق السلم والشراكة منح الانقلاب المليشياوي شرعية وبغطاء من الأممالمتحدة فإن مؤتمر جنيف ما لم يتم وضع محددات وضوابط وأهداف ومرجعيات واضحة له سيمثل مؤتمراً أممياً لشرعية الاحتلال المليشاوي للمدن والمحافظات اليمنية واعترافا بسلطة الأمر الواقع الذي تحاول المليشيات فرضها بقوة السلاح.
ولن يختلف دور ولد الشيخ المبعوث الأممي عن سلفه جمال بن عمر لأن الاثنين يمثلان الأممالمتحدة المؤسسة التي صمتت كثيرا عن جرائم وفظائع المليشيات الحوثية وجيش المخلوع صالح ولم تفعل شيئا لملايين المدنيين الذين يعيشون وضعاً إنسانياً بالغ الصعوبة جراء الحصار والقصف والاحتلال الحوثي للمدن في طول وعرض اليمن بل إن الأممالمتحدة التي تسعى بقوة لجمع القوى السياسية مع المليشيات الإجرامية لم تتمكن من إدخال شحنة مساعدات إنسانية لسكان مدينة عدن المنكوبة حيث يعاني مليون فرد أوضاعاً إنسانية وصلت حد عدم القدرة على توفير الوجبات الرئيسية والأكثر غرابة أن تطلق المليشيات النار لمنع سفينة تنقل مساعدات لأهالي عدن وإجبارها على التوجه إلى جيبوتي.
وعليه، كان من المفترض بالمؤسسة الأممية التأكيد على تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالحالة اليمنية ومنها القرار 2216 الذي نص على انسحاب المليشيات وتسليم مؤسسات الدولة وإعادة الأسلحة المنهوبة وإطلاق السجناء لدى المليشيات بدلا من فتح نافذة للمليشيات الانقلابية لشرعية سيطرتها على المدن ومنحها مشروعية تمثيل واعتراف أممي بها كتيار سياسي رغم أنها مليشيا مسلحة تقع خارج نصوص التكوينات السياسية اليمنية والدولية وحالها لا يختلف عن تنظيم القاعدة وداعش.
ومن هذا المنطلق يتطلب الوضع الحالي في اليمن عدم منح المليشيات رئة تتنفس بها بعد أن شكلت عاصفة الحزم وسلسلة عمليات التحالف والتحركات العسكرية السعودية ضربة موجعة أفقدت المليشيات وجيش المخلوع صالح مخزونا هائلا من السلاح والإمكانات العسكرية التي تم بناؤها على مدى 3 عقود من الزمن.
وإذا كان عقد مؤتمر جنيف مطلباً لقوى دولية داعمة لتوجهات الأمين العام للأمم المتحدة ومن هذه الدول كما هو معلوم الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا وبريطانيا فإن المؤتمر يجب أن يكون تدشينا لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 دون التفاف أو تجاوزات كما عرف عن تعامل المليشيات وصالح مع نصوص الاتفاقات والقرارات.
وهنا يجب الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن المليشيات الحوثية عملت منذ وجود الرئيس هادي في القصر على تجنيد عدد من عناصرها في الجيش والأمن وبعد السيطرة على المحافظات جندت الآلاف من عناصرها في وحدات الجيش والأمن أيضا بقرارات من اللجنة الأمنية التابعة لها والمسؤولة عن الجانب العسكري والأمني في البلاد في الوضع الانقلابي الحالي أي إن المليشيات أصبحت جزءاً من الجيش والأمن وأدمجت أكثر من الرقم الذي كانت تطالب به الرئيس هادي وهو 30 ألف فرد.
على الجانب المدني وظفت المليشيات عناصرها وقادتها في المناصب والوظائف التي كانت تطالب بها قبل الانقلاب وبعد إسقاط العاصمة صنعاء وأصبحت كل مفاصل الدولة المدنية والعسكرية والأمنية تحت هيمنتها، وفي حال طلب من المليشيات إنهاء الانقلاب والانسحاب من المدن والمحافظات ستقوم بالعودة للثكنات العسكرية والمعسكرات والمقرات الأمنية كجزء من هذه الوحدات والمعسكرات وهنا لن يتغير شيء سوى إعادة وضع للمليشيات والاندماج التام مع جيش صالح في كيان واحد بعد أن كانا جناحين لجسم واحد.
وفي هذه الحالة ستكون الحركة الحوثية حققت مشروعها الأساسي في التواجد داخل مؤسسة الجيش والأمن والمخابرات والأجهزة الإدارية للدولة واقتسام النفوذ والوجود والقرار مع المخلوع صالح بحزبه وجيشه وقبائله.
ولأن الشرعية الممثلة بالرئيس هادي وحكومته ليس لها ألوية ووحدات عسكرية سوى عدد بسيط من التشكيلات النظامية في تعز وعدن ومأرب وحضرموت ومنها ما هي غير موثوقة الولاء كما هو حال وحدات الجيش في حضرموت، وفي هذه الحالة يجب أن تحضر المقاومة كطرف مساند للشرعية لتحقيق التوازن في المؤسستين العسكرية والأمنية أي ضم كل فرق المقاومة وتشكيلاتها إلى الجيش والأمن ممثلة لطرف الشرعية بأحزابها وتكويناتها السياسية والاجتماعية وحتى الجماعات الدينية السلفية التي تقاتل في صفوف المقاومة وإذابتها في كيان عسكري نظامي واحد لإنهاء عقودا من تفرد قبائل الشمال بالقرار العسكري والنفوذ في مؤسسات الأمن والمخابرات.
وفي الختام يمكن القول إن مؤتمر جنيف إن لم يكن مدخلا لاستعادة الدولة وإنهاء وجود المليشيات في المدن والمحافظات اليمنية والعودة إلى ما قبل 2012م فإن المشاركة فيه ستكون اعترافا بالوجود المليشاوي واستمرارا للتدخلات الأممية غير المنصفة والتي تخدم المخلوع ومليشيا الإجرام الحوثية، خاصة أن التجارب السابقة أثبتت فشل فريق الرئيس هادي في التعامل مع الملفات الحساسة وهو الأمر الذي أدى إلى سقوط اليمن في قبضة المليشيات وجيش المخلوع وعليه تستدعي الظروف الراهنة تعاملا مختلفا مع المليشيات وعدم الرضوخ لأية ضغوط تخدم الانقلابيين مهما كانت المبررات والحجج المطروحة.