- تصريحات الملالي جزء من مسعى بناء أسطورة النظام في الخيال لا الواقع - ظاهرة الشعارات المقترنة بمسيرة النظام تشير إلى أنه ظاهرة صوتية بامتياز - أزمات النظام تدفع قادته إلى إعطاء وعود بالإصلاح دون تحقيق أي شيء - الخطاب الإيراني مزدوج وموزَّع بين شق علني دعائي وآخر خفي تنفيذي - نظام الملالي لا يعتمد مبدأ الشفافية نهجاً في مصارحة شعبه بممارساته - الخطاب الإيراني عدائي وعنصري يستهدف الخصوم داخلياً وخارجياً - الغاية من تصريحات الملالي إلهاء الإيرانيين وإبعادهم عن الاهتمام بقضاياهم - التصريحات تهدف لعزل المكونات العرقية والمذهبية داخل هوياتها الصغرى - الولي الفقيه يصنع الخطاب والأتباع يرددونه ببغائية بائسة دون تغيير - وكالات الأنباء الإيرانية تتعامل مع تصريحات علي خامنئي بوصفها تعاليم محمد عبدالعليم– سبق: يعتمد قادة النظام الإيراني على التصريحات الكلامية كوسيلة أساسية في التعبير عن حالة النظام، وهم يحرصون على إصدار هذه التصريحات بوتيرة منتظمة ودائمة؛ لأنها تشكّل جزءاً من بنية النظام، الذي أثبت منذ نشأته أنه نظام أقوال لا أفعال. وبناء على ذلك فإن التصريحات تشكّل جزءاً من مسعى الملالي لبناء أسطورة النظام في الخيال لا الواقع؛ فالإنجاز بالنسبة لهم كلامي، ولا بد من ترسيخه في أذهان الإيرانيين باعتبار أنه الواقع، وهم موقنون تماماً بأن واقعهم كذوب.
مسيرة شعارات وتؤكد ظاهرة الشعارات الحماسية الزائفة المقترنة بمسيرة النظام منذ بداياته، التي تعتمد على دفع الإيرانيين إلى ترديد عبارات بعينها، مثل شعار "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" في كل وقت وكل مكان، لا يختلف في ذلك المسجد عن الجامعة أو العرض العسكري، أن النظام الإيراني ظاهرة صوتية بامتياز، ويستخدم الكلام والتصريحات كنشاط حركي في التعبير عن وجوده في الواقع، تماماً مثلما تستخدم الأنظمة السوية الإنتاج كنشاط في تجسيد تأثيرها في واقع شعوبها.
وعود كاذبة في أزمات كثيرة كادت تعصف بالنظام، مثل احتجاجات الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009م، التي سميت حينها ب"الثورة الخضراء" ردًّا على تزوير نتائج الانتخابات التي تمخضت عن فوز محمود أحمدي نجاد بمنصب الرئاسة.. في هذه الأزمة وغيرها مارس قادة النظام الكلام بديلاً للفعل، وأعطوا الجماهير المحتجة الكثير من الوعود الإصلاحية الكاذبة دون أن يتحقق منها شيء، في طريقة تؤكد أن الكلام بالنسبة للنظام الإيراني هو الفعل، ولا حدود تفصل بينهما. وهذه الظواهر وغيرها تطرح تساؤلات عديدة حول نوعية ووظيفة وملامح خطاب النظام الإيراني.
تناقض دائم يلاحظ على الخطاب الإيراني أنه خطاب مزدوج، موزع بين خطاب علني وآخر عملي تنفيذي مسلكي. والأول يوظف كغطاء لستر الآخر، وهو قائم على ممارسة "مبدأ التقية"، أحد المبادئ الأكثر رسوخاً لدى الشيعة الاثني عشرية. فالخطاب العلني لا يتطابق مع العملي في التعبير عن التوجهات الحقيقية للنظام، بل لا يتسق معه تماماً في هذه الناحية. فالعملي التنفيذي يتناقض مع العلني الإفصاحي على الدوام، لكنهما رغم ذلك مترابطان تماماً، ولا يشوبهما الانفصال لاتصالهما بغايات ومراكز أعلى في هرمية النظام، يصدران عنها، ويخدمانها حتى مع سريانهما في مسارات تبدو متعارضة.
ممارسة التعمية فالنظام الإيراني لا يقول ما يفعل، بل يقول لإخفاء ما يرتكب من مخالفات وجرائم، وممارسة التعمية على تحركاته في الواقع حتى يوفر لها مظلة الأمان والكتمان التي تضمن لها التطور إلى غاياتها المرسومة.. وتلك ملامح النظم الفاسدة التي لا تعتمد مبدأ الشفافية نهجاً في مصارحة شعوبها بما تفعل.
تعميق العداء والخطاب الإيراني خطاب عدائي عنصري داخلياً وخارجياً؛ فهو يقوم سواء صدر من قادة عسكريين أو دينيين أو مسؤولين دبلوماسيين على بث الكراهية وتعميق العداء ضد العرب والمسلمين السنة في الخارج، وتأجيج الشحناء والتباغض بين المكونات العرقية والمذهبية للشعب الإيراني في الداخل، في ممارسات تؤكد أنه خطاب كراهية بامتياز.
تأجيج الاحتقان وعدائية الخطاب الإيراني تتنافس مع دعائية في جانب الممارسة؛ إذ إنه خطاب دعائي أجوف وغير موضوعي، الهدف منه تضليل الجماهير وإقحامها في الانخراط في معايشة حالات انفعالية محتقنة؛ حتى يسهل قيادتها وتوجيهها عبر الشحن الدائم، والتأجيج المستمر.. ومثل كل خطاب دعائي، فإن الغاية منه إلهاء الجماهير وإشغالها بعيداً عن الاهتمام بالقضايا المرتبطة بحقوقهم الأساسية ومتطلباتهم المعيشية.
تفتيت النسيج وممارسة الخطاب الإيراني لكل هذه الصفات السلبية في أحاديثه للإيرانيين ممارسة متعمدة وممنهجة بعيدة عن العشوائية والعبث والارتجال؛ لأنها مرتبطة بتحقيق أهداف، تمثل ضرورات لبقاء النظام الإيراني واستقراره. ومن هذه الأهداف عزل المكونات العرقية والمذهبية للشعب الإيراني داخل هوياتها الصغرى؛ حتى لا تأتلف وتصطف ضده؛ فلا شيء يفتت نسيج المجتمعات ويضعف تركيبتها مثل بث روح العداء بين أبنائها.
أخطار وهمية أما الهدف الأعلى لهذه الممارسات فيتمثل في السيطرة على الشعب الإيراني، من خلال الزج به في حالة عداء مع الشعوب المحيطة به، وإيهامه بأن هناك أخطاراً خارجية تتهدده، وتستهدف سلامته؛ حتى يستقطبه النظام إلى جانبه في تنفيذ مخططاته التوسعية الموجهة ضد دول الجوار العربية والإسلامية.
ببغائية بائسة وينبثق الخطاب الإيراني من شخص "الولي الفقيه" باعتباره مركز النظام، الذي يمثله في الوقت الحالي المرشد علي خامنئي، ثم ينساب بعد ذلك إلى كل المستويات التنظيمية في بنية النظام الإيراني من قادة ووكالات أنباء ووسائل إعلام.. ف"الولي الفقيه" يصنع الخطاب، والأتباع يرددونه ببغائية بائسة، لا تخرج عن حدود الأفكار التي يطرحها، والمستوى الانفعالي المقترن بها.
أيقونة التضليل ويكشف مسلك تعامل وكالات الأنباء الإيرانية (فارس، تسنيم، مهر، وغيرها) مع تصريحات خامنئي عن مركزيته في صنع وتوجيه الخطاب الإيراني؛ إذ لا تتعامل مع تصريحاته بمنطق الحدث المزامن لوقائع بعينها، بل بوصفها تعاليم؛ لذلك تحرص الوكالات على إبراز آخر تصريحات خامنئي في واجهة صفحاتها رغم انقضاء الأحداث التي وافقها، إلى أن يصدر تصريح جديد، فتحذف السابق، وتبرز اللاحق.. فالمرشد أيقونة النظام، وهو - بحسب اعتقادها - لا ينطق إلا صواباً، رغم أنه لا يتكلم إلا لكي يضلل الإيرانيين.
زيف وخداع ويمكننا كشف زيف وتضليل وخداع وتناقض وكذب الخطاب الإيراني من مقارنة تصريحات قادة النظام الإيراني بالواقع. وعلى سبيل المثال، في قضية السلاح النووي الإيراني صرح علي خامنئي قبل أيام خلال لقائه بقادة ومسؤولي وكوادر الجيش بمناسبة "يوم الجيش" - وبحسب ما نشرت وكالة أنباء فارس - بأن إيران "لا تمثل تهديداً لجيرانها، مدعياً أن "السلاح النووي الإيراني أسطورة مزعومة، يرددها الأعداء لزعزعة أمن المنطقة".
تجاهل الحقائق ويسوق خامنئي هذا الادعاء الزائف عن قدرات إيران النووية متجاهلاً عشرات الحقائق التي تدحضها، منها خوض النظام الإيراني في الوقت الحالي مباحثات مع الدول الخمس العظمي إضافة لألمانيا، للتوصل إلى اتفاق يحول دون امتلاك إيران الأسلحة النووية مقابل رفع العقوبات الدولية عنها. ويدحض هذا الادعاء كذلك امتلاك إيران أكثر من مفاعل نووي والآلاف من أجهزة الطرد المركزي التي تعمل على إنتاج مادة البلوتونيوم التي تستخدم في صنع الأسلحة النووية.
مسلك فاضح فإذا كانت قدرات إيران النووية أسطورة رغم الطابع العسكري الواضح لهذه القدرات فلماذا يخوض النظام الإيراني هذه المحادثات مع دول الخمس زائد واحد؟ ولماذا يمعن في تعنته منذ سنوات مستهيناً بالعقوبات المفروضة على الشعب الإيراني؟ ولماذا يقايض برنامجه النووي الآن برفع العقوبات؟.. تساؤلات تفضح المسلك المخادع والتضليلي للخطاب الإيراني الذي تحول إلى أداة شحن ووسيلة دموية لتدمير المختلفين مع النظام والمناوئين له. ولقد أصبحت تصريحات منتجي هذا الخطاب من معممين وملالي وقادة عسكريين بمنزلة أفخاخ ملغومة، هدفها تفجير توترات المنطقة، وإشعالها بالحروب والصراعات.