أكد المشاركون في مؤتمر (وسائل التواصل الاجتماعي.. التطبيقات والإشكالات المنهجية)، الذي عُقد على مدى يومين بفندق مداريم كراون، والذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ممثلةً بكلية الإعلام والاتصال، بمشاركة نخبة من الباحثين والمتخصصين من خمس عشرة دولة عربية وإسلامية وأجنبية، إضافة إلى أكثر من (56) مؤسسة علمية وأكاديمية، أن هناك إشكالات وتحديات منهجية تواجه دراسات الإعلام الجديد. وبيّن المشاركون أن هذه الإشكالات مرتبطة بدرجة كبيرة بالمفاهيم المنهجية وأدوات البحث العلمي، وهذه التحديات هي أمر طبيعي، تواجه أي ظاهرة جديدة تختلف عما سبقها في المفهوم والمنهج، موضحين أن الأطروحات أوصت بالتأني وعدم القفز على المسار المنهجي والتاريخي لدراسة الظواهر الجديدة، لافتين إلى أنه لا بد على الباحثين البدء بتحديد دقيق للمفاهيم والمكونات الرئيسة للظاهرة الجديدة، وتلافي إشكالات الترجمة، وتسمية واستخدامات المصطلحات.
وأشاروا إلى مشاكل التراكم العلمي والنظري في مجال الإعلام التقليدي، الذي يبدو مهماً في التعامل مع ظاهرة الإعلام الجديد، مضيفين بأن الاتجاه العام للأطروحات تنزع نحو الاعتماد على ما تم إنجازه في الإعلام التقليدي، وإن كانت بدرجات متفاوتة، إضافة إلى متطلبات الظاهرة الجديدة، ومعرفية فهم الظاهرة الجديدة، بما في ذلك التراكم العلمي والنظري في مجال الإعلام التقليدي. كما جاءت في التوصيات دراسة ظاهرة الاتجاه الجزئي في الدراسات الجديدة؛ إذ ركزت معظمها على الاستخدامات أو التأثيرات بما يشير إلى عدم التناول الكلي لأبعاد الظاهرة الإعلامية؛ ولذلك اتفق الباحثون على أن الاتصال عملية تتطلب التكامل في دراسة مكوناتها وعناصرها، كما تطرقوا إلى عدد من الدراسات التي تناولت العلاقة بين وسائل الإعلام التقليدية والجديدة بتأثير إحداهما على الأخرى، ومن خلالها أكدوا أهمية عدم النظر للظاهرتين على أنهما ركنان لظاهرة واحدة، وعدم النظر للظاهرتين على أنهما تمثلان فرضيتين متكاملتين.
وأبان المشاركون أن الأساس العلمي يتطلب التعرض للدراسات في ضوء كل الاحتمالات الممكنة، من التوازي إلى التكامل والاندماج، على أن الإشكاليات المنهجية تتركز بدرجة كبيرة في أدوات القياس المستخدمة، مثل المجتمع والعينة ووحدة التحليل والتحديات الاجتماعية، وغيرها التي لا يبدو أنها قادرة على قياس هذه الظاهرة الجديدة؛ لذا أوصى الباحثون بالرجوع إلى أسس النظرية المعرفية، والاعتماد على البرمجيات في تحديد العناصر الكلية للظاهرة الجديدة، والبناء عليها في تحديد العناصر المنهجية اللازمة للدراسة.
وأوضحوا أن حالة القلق من وسائل الاتصال الاجتماعي والسعي نحو التحكم في الظاهرة أديا إلى الاهتمام بدراسة تأثيراتها الاجتماعية والثقافية والسياسية، مشيرين إلى أن الدراسات تتفاعل وتتحرك داخل هذه السياقات، كما طالبوا بعدم التعجل والقلق والسير في اتجاه مخالف لطبيعة المنهجية لفهم الظواهر، وضرورة التواصل والتعاون مع مختلف التخصصات ذات العلاقة، والتعاون مع دارسي الإعلام في العالم، وعلى وجه الخصوص في منطقتنا العربية.
وواصل المشاركون توصياتهم في ختام المؤتمر بأهمية التطوير السريع، وعدم الثبات في مضمون وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يمثل العقبة الرئيسة أمام قدرة الباحثين على التعامل معها وفق إطار منهجي محدد، يضمن الثبات والاستقرار في مجموع عناصر الظاهرة المدروسة، وكذلك دراسة الإعلام الجديد باستخدام التطبيقات التي تعمل على رصد المضمون وتضييقه وفقاً لمعايير محددة. كما تشير الدراسات إلى تخطي وسائل التواصل الاجتماعي لدورها المفترض بأنها وسيلة تواصل بين الأفراد والجماعات الصغيرة إلى أدوار اتصالية فاعلة في السياقات المؤسسية في مختلف المجالات الإعلامية والثقافية والاقتصادية والسياسية.
ويرى المشاركون أن هذه النتيجة تؤيد التوصية القائلة بعدم الانطلاق ابتداء من مفاهيم وتصورات مسبقة، وضرورة التعاطي مع المستجدات التي ربما يكون لها احتمال مطلق، قد لا يستوعب القيمة المسبقة وما توافر لدى البشرية من محددات.
كما أسفرت الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي عن تأثيرات محدودة في المجتمعات التي سعت للتحكم بالتأثيرات السلبية للظاهرة، وأن البديل الأنسب للتحكم في تجنب التأثيرات السلبية للظاهرة يكمن في تكوين شخصية ذات نسق ثقافي متماسك، وهو ما لا يتأتى إلا عبر جهود منظمة في مجال التربية الإعلامية.
كما أوصوا كذلك بأن يعمل الباحثون على عقد شراكات علمية وأكاديمية بين الباحثين أنفسهم والكليات والأقسام العلمية، بما يؤدي إلى إنجاز مشاريع بحثية مشتركة، تساهم في دراسة الظاهرة الجديدة وفهمها.
يُذكر أن المؤتمر تخلله سبع جلسات علمية، منها حلقتا نقاش، أولاهما خُصصت للمتحدثين الرئيسيين من أوروبا وأمريكا، والثانية تناولت (التحديات المنهجية للأطروحات العلمية في تخصصات الإعلام)، وشارك فيها طلاب الدكتوراه في الكلية مع نخبة من خبراء المؤتمر.
وكذلك خمس جلسات علمية، عرض فيها ستة وعشرون بحثاً محكماً، تعالج الاستخدامات التطبيقية لوسائل التواصل الاجتماعي، وتعنى بالإشكالات المنهجية والنظرية وتأثيراتها الاجتماعية والثقافية، وأطرها القانونية والأخلاقية، وعلاقتها بوسائل الإعلام التقليدية.
كما حظيت جلسات المؤتمر بحضور جماهيري من الأكاديميين والباحثين ودارسي الدكتوراه والماجستير والمهتمين، الذين أثروا موضوع المؤتمر والأطروحات المقدمة بمداخلات ونقاشات عميقة.