· 500 مواطن يحملون البطاقة الوطنية جُلّ همهم كيف ينتهي يومهم بسلام. · لا يعرفون سوى الطبيعة البكر والبؤس مرسوم على تجاعيد وجوههم. · يجمعون الحطب ويعوشون الأغنام لتسريحها للجبال ومنازلهم "شبوك". · لا يعرفون سوى الأعشاب الشعبية لتضميد جراح المشي حفاة بسفوح الجبال. · مياه مجرى الوادي الذي يصبّ في وادي بيش منها يشربون ويغتسلون. · آلامهم مع الميلاد ومحافظ الريث لم يزرهم يوماً ولا يعرفون رئيس البلدية!
فهد كاملي- سبق- جازان: لا يُعرف رجالها ونساؤها سوى الطبيعة البكر والبؤس الذي يرتسم على تجاعيد وجوههم، أحوالهم الصعبة لا يعرف محافظ الريث لها طريقاً، تاركاً إياهم يضمدون جراحهم بالأعشاب الشعبية، وتحاصرهم السباع والذئاب، وتقتلهم الحرارة التي لا ترويها سوى مياه مجرى الوادي، مواجهين مصيرهم اليومي حفاة متسلحين بالصبر ومتواصلين بالشفرات.
وهناك استقرت عدسة "سبق" على سفوح الجبال الفاصلة بين منطقتي جازانوعسير، بعد مسيرة اثنتي عشرة ساعة متنقلة بين عدد من السيارات؛ لصعوبة الوصول إلى جبال "هلوة السوداء"، لترصد أحوال هؤلاء المواطنين السعوديين الذين تحمّلون المشقة والعناء والإهمال.
سيل يعزل الأسر 500 مواطن سعودي يحملون البطاقة الوطنية جُلّ همهم كيف ينتهي يومهم بسلام دون أن يتحمّلوا مشقة الرحيل مشياً؛ بحثاً عن الأمان خشية السيل الذي إذا داهمهم عزل نصفهم عن الآخر لمدة لا تقل عن شهر، مستسلمين للاستمتاع بالطبيعة الخلابة التي لا يوجد مثلها بمناطق المملكة يتواصلون مع أسرهم في الضفة الأخرى عن طريق الأصوات والشفرات.
منازل من شبوك وعلى مقربة منهم ترى مساكنهم التي تتكوّن من الصفيح والشبوك والأشجار، يقطن بداخلها مجموعة من النساء والفتيات ينتظرن رب الأسرة؛ إذ يذهب منذ بزوغ الفجر لجلب ما تقتات عليه أسرته، إما أن يعود أو تقطع طريقه الذئاب والسباع.
شقائق الرجال وما زال يعيش سُكان "هلوة السوداء" عادات الأجداد في الرعي ولا يحتاجون للعمالة؛ فالرجال والنساء يصحون فجراً ويتقاسمون مهامهم اليومية بدءاً بتجميع الحطب والطبخ وتعويش الأغنام وتسريحها للجبال، ومع المغرب ينتهي العمل وتنقطع الحركة وتُنتهز فترة الليل كي يناموا وقاية من شدة الحر في يومهم التالي.
وداع الأم الأخير ونقيضاً للمعتاد فيستبشر كل البشر بقدوم أطفالهم وتظهر عليهم الفرحة، إلا في "هلوة السوداء" تبلغ المعاناة أشد صورها عند ولادة إحدى الأمهات؛ فالوصول لأقرب مستشفى يحتاج لأكثر من ثلاث ساعات، وإذا سال مجرى الوادي يختفي الطريق، وينقطع خيط الأمل لدى الأبناء الذين ينتظرون المصير المرتقب لوالدتهم، إما بإضافة مولود جديد أو إلى وداع أخير لطفل لا ذنب له.
طب شعبي ولم يجد سكان تلك المنطقة سوى الطب الشعبي لمعالجة مرضاهم؛ لكون نقلهم للمستشفى سيزيد من المعاناة؛ حيث يستخدمون عدداً من الأعشاب الشعبية لتضميد جراح أطفالهم الذين يصابون بجروح جراء مشيهم حفاة على سفوح الجبال.
معلمات في خطر ويرتاد تلك المنطقة يومياً العديد من المعلمات، معرضات حياتهنّ للخطر؛ ذلك ذهاباً لإحدى المدارس التابعة لمنطقة عسير، قاطعات 4 ساعات يومياً من محافظة الريث و 150 كيلو من منطقة جازان.
سقياهم مجرى الوادي ويستخدم سكان تلك المنطقة مياه مجرى الوادي الذي يصبّ في وادي بيش، فمنها يشربون ويغتسلون، مواجهين حرارة الطقس ومتسلحين بالصبر.
محافظ لم يزُرْهم واستغرب سُكان "هلوة السوداء" سؤال "سبق" عن آخر زيارة لمحافظ الريث شمال جازان، وأكدوا عدم زيارته لهم منذ إنشاء المحافظة، مؤكدين أنه حتى رئيس بلدية الريث لم يزرهم قط!