تجتمع مجموعة العشرين اليوم في أستراليا بوجود قادة كبرى الاقتصادات المتقدمة والناشئة في العالم معاً لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية. ويركز جدول أعمال مجموعة العشرين في 2014 على تعزيز النمو الاقتصادي من خلال تحسين نتائج التجارة والتوظيف، وجعل الاقتصاد العالمي أكثر مرونة للتعامل مع الصدمات في المستقبل.
ويراهن عدد من رجال الأعمال السعوديين على أن المملكة قادرة على التعاون مع اقتصاديات العالم الكبرى لتخفيف وقع الأزمات المالية حال حدوثها مستقبلا، والعمل على تحسين التجارة البينية، وزيادة فرص العمل لتحقيق النمو الاقتصادي المأمول.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك سعود الدكتور "أحمد ناصر الراجحي" ل"سبق": "تشارك المملكة العربية السعودية هذه الأيام في اجتماعات مجموعة العشرين، والتي تضم 19 دولة ما بين صناعية وناشئة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وهذه المشاركة هي تأكيد للمكانة الاقتصادية المرموقة للمملكة في العالم، والتي تشهد حالياً تطورات اقتصادية ونفطية وسياسية لا تخفى على أحد".
وأضاف "الراجحي": "يأتي دور المملكة في هذا الإطار من خلال دورها المهم والفعال في سوق الطاقة العالمي عموما، وسوق النفط خصوصاً، وكون المملكة هي أكبر دولة في العالم لديها احتياطيات نفطية تصل لحوالي 262 بليون برميل نفط، ولديها أيضاً سعة إنتاجية فائضة كبيرة، الأمر الذي يجعلها مصدرا موثوقا لإنتاج كميات كبيرة من النفط يعتمد عليها العالم في الحاضر والمستقبل".
وتابع: "كما أن المملكة باعتبارها أحد المؤسسين لمنظمة أوبك (التي تمثل مصالح الدول المصدرة للنفط) وأكبر منتج فيها، فإنها تلعب دوراً مهماً ومحورياً في التنسيق بين الدول المصدرة وبين الدول المستهلكة، سواء كانت متقدمة أو نامية، خاصة تلك الدول المشاركة في اجتماعات مجموعة العشرين في أستراليا".
إستراتيجيات رزينة وتابع "الراجحي": "تأتي أهمية سياسة المملكة النفطية في هذه الاجتماعات لسببين: أولهما أن الاقتصاد العالمي يواجه مؤخراً تباطؤاً وتذبذبا في معدلات نموه والمملكة، باعتبارها دولة مصدرة للنفط، فلها مصلحة وطنية مباشرة في انتعاش الاقتصاد العالمي، ومن ثم تحسن الطلب على النفط. وكذلك تبني المملكة تاريخياً إستراتيجيات رزينة فيما يتعلق بإنتاج النفط تهدف لدعم الاستقرار في أسواق النفط العالمية، والتي تتصف بالحساسية للظروف الجيوسياسية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط".
وأوضح "الراجحي": "كان للمملكة دور فعال في الأسواق العالمية، خاصة أثناء فترة ما يسمى بالربيع العربي، والذي تزامنت معه توترات واضحة في السوق النفطية. فمثلاً، نجد أن المملكة بادرت وبسرعة إلى تهدئة الأسواق أثناء الثورة الليبية خلال عام 2011 م، والتي كانت تخشى انقطاع الإنتاج الليبي لفترة طويلة".
وذكر: "وعلى الرغم من أن إنتاج النفط الليبي كان تزيد كميته عن مليون ونصف برميل نفط في اليوم، ومن الأنواع الخفيفة المفضلة في السوق التي يصعب توفيرها، فإن مجرد تعهد المملكة المبدئي بتعويضه أدى بسرعة إلى نتائج إيجابية حينذاك، مما يعكس مصداقية السياسة النفطية السعودية، ومدى التزامها بما فيه مصلحتها ومصلحة الاقتصاد العالمي".
سياسة نفطية متزنة وختم "الراجحي" حديثه قائلا: "باختصار إن مشاركة المملكة العربية السعودية في مجموعة العشرين هو إدراك من العالم ككل لأهمية المملكة في دعم النمو الاقتصادي العالمي من خلال سياسة نفطية متزنة تحقق مصلحة الجميع. وهذا أمر ليس بجديد على المملكة التي كانت مبادرة قبل عدة سنوات في إنشاء منتدى الطاقة الدولي، والذي يقع مقر أمانته العامة في مدينة الرياض".
وأبان: "ولقد أنشئ هذا المنتدى أساساً بهدف إيجاد وتعزيز الحوار البناء بين الدول المنتجة والدول المستهلكة للطاقة من أجل الحد من تقلبات اسواق الطاقة واسواق النفط لما في ذلك من إضرار بنمو الاقتصاد الدولي، وهو بالطبع أبرز اهداف الاجتماع الحالي لمجموعة العشرين".
مشاركة مؤثرة وبدوره قال الخبير الاقتصادي " فضل البوعينين" ل"سبق": "تسعى قمة العشرين إلى وضع حلول نهائية لحماية النظام المالي العالمي من إمكانية تكرار الأزمة المالية العالمية التي تسببت في مشكلات اقتصادية ما زالت تداعياتها تتوالى حتى اليوم. كما تسعى القمة إلى التأكيد على إنعاش الاقتصاد العالمي ودعم النمو ومعالجة بعض المشكلات الاقتصادية.
ومشاركة المملكة في القمة باتت مؤثرة لأسباب مرتبطة بالنمو العالمي الذي لا يمكن تحقيقه بمعزل عن النفط والذي تعتبر السعودية الفاعل الأكبر في أسواقه".
وأضاف "البوعينين": "أعتقد أن التوترات السياسية قد تنعكس على قمة العشرين، وقد تقوض بعض القرارات المالية ذات العلاقة بالقطاعات المصرفية وآلية الرقابة، إضافة إلى بعض الجوانب الاقتصادية".
وتابع: "من جانب آخر فالتقلبات الحادة في أسواق المال تشكل عبئا على القمة"، مبينا "أن خلق الوظائف وضمان تحقيق النمو العالمي أمر لا يمكن ضمانه مع المتغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية".
تعي دورها الاقتصادي وقال الخبير الاقتصادي "عبدالوهاب أبو داهش" ل"سبق": "اليوم دول العشرين تحتاج إلى حجم إنفاق ضخم في مجال البنى التحتية، ولا نعني الطرق فقط، بل التعليم والصحة والتقنية".
وأضاف: "الجميع يعي أن المملكة تلعب دورا كبيرا في معرفتها بالسوق النفطية، ومدى ضعف الاقتصاديات الأوربية، وحاجتها إلى انتعاش في أسعار طاقة مواتية من هذا المنطلق".
وتابع: "المملكة تعي دورها في مجموعة العشرين بشكل واضح، وهذا ما تم إثباته في السنوات الماضية من إنفاق هائل على البنى التحتية في النقل العام والطرق والمدارس، وهذا النمو الهائل للاقتصاد السعودي كان نتيجة الإنفاق الحكومي على البنى التحتية، ومن المتوقع هناك استمرار في هذا المجال، وأن معظم الأنفاق مقرر إلى السنوات القادمة".
وختم حديثه بأن السعودية ستكون من أفضل الدول العشرين في النمو خلال الخمس سنوات المقبلة.
ورأى رجل الأعمال فهد بن سيبان السلمي عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بمحافظة جدة، أن المملكة قادرة من خلال وفدها الذي يقوده سمو ولي العهد على مواكبة التطور الاقتصادي العالمي ومشاطرة المجموعة الاقتصادية همومها ومناقشة تحدياتها في ظل التركيز خلال هذا الاجتماع على تحسين ننائج التجارة والتوظيف.
وواصل: "تنطلق اجتماعات مجموعة العشرين في الوقت الذي لا يزال الاقتصاد العالمي يتعافى من الأزمة، ورغم علامات التحسن الاقتصادي الأخيرة يظل هناك تحدي النمو. ومن المتوقع أن تنمو التجارة العالمية إلى 4.7٪ فقط هذا العام، مقارنة بمتوسط كان قدره 6 في المائة سنويا على مدى العقود الثلاثة قبل الأزمة المالية العالمية".
وتابع: "عدد الوظائف العالمية اصبح 62 مليون وظيفة وفقا لتقديرات شبه دقيقة، وهي أقل مما كان من الممكن ان تكون عليه لو استمرت توجهات ما قبل الازمة في معطياتها".
ومنذ بداية اجتماعات الدول العشرين، أكد القادة التزامهم باعتقادهم المشترك أن مبادئ السوق، ونظم التجارة المفتوحة والاسواق المالية المنظمة بشكل فعال تعزز الديناميكية والابتكار وروح المبادرة التي هي أساسية للنمو الاقتصادي وفرص العمل والحد من الفقر.
من جهته قال الخبير الاقتصادي الدكتور علي الغامدي إن القمة ستبحث تعزيز الاقتصاد العالمي، وإصلاح المؤسسات المالية الدولية، وتحسين التنظيم المالي، والإشراف على إصلاح اقتصادي أوسع، وستركز مجموعة العشرين على دعم النمو الاقتصادي العالمي، بما في ذلك تعزيز خلق فرص العمل وفتح التجارة.
وواصل: "وللمضي قدما في جدول الاعمال، فان كبار المسؤولين ومجموعات العمل تنسق وتطور سياسات التنمية بشأن قضايا محددة بحيث تكون معدة للنظر فيها من قبل القادة ووزراء المالية، وتعتمد مجموعة العشرين على تحليل السياسات وعلى المشورة من المنظمات الدولية بما في ذلك مجلس الاستقرار المالي، منظمة العمل الدولية، صندوق النقد الدولي، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الأمم المتحدة، البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، حيث تتم دعوة ممثلي هذه المنظمات إلى اجتماعات مجموعة العشرين الرئيسة".
وأضاف الدكتور الغامدي: "تعزيز التنمية هو محور هدف مجموعة العشرين لتحقيق نمو قوي ومستدام ومتوازن وضمان اقتصاد أكثر قوة ومرونة للجميع، التي تشمل كل مجالات جدول أعمال مجموعة العشرين".
وتعتمد كثير من الدول على السياسات المالية والنقدية لتعزيز اقتصاداتها في أعقاب الأزمة المالية العالمية، لذلك فإن تنسيق السياسات الآن لتحقيق أقصى قدر من النمو الاقتصادي والحد من أي آثار غير مقصودة، يعتبر التركيز المحوري لقمة بريسبان.
ويؤكد تقرير اقتصادي صادر من أحد البنوك الدولية أن هناك حاجة إلى نهج جديد لضمان استدامة النمو في السنوات المقبلة، حيث إنه السبيل الوحيد لتعزيز قطاع الاعمال وثقة المستهلك، وتوفير فرص العمل وانتشال الناس من الفقر، ولتحقيق ذلك، يجب على الحكومات إيجاد سبل لمساعدة النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص، حيث إن المؤسسات الخاصة فقط يمكنها أن تحقق النمو المطلوب في الاستثمار والتجارة وتوفير فرص العمل.