أكد عضو مجلس الشورى، الدكتور عيسى الغيث، "ضرورة استخدام العقل والاستقلال الفكري حتى لا نقع ضحية لأصحاب الأهواء والأفكار المتطرفة والمنحرفة، التي تستلهب العواطف وتثير الحماس ليذهب ضحيتها الآلاف من أبناء هذا الوطن، كما هو الحال في من انضم إلى داعش والقاعدة". وبين الغيث في أمسية "الأمن الفكري بين النظرية والتطبيق"، والتي نظمها مقهى بارق الثقافي في دورته الثانية أمس، وأدارها الدكتور علي الرباعي، أن "الأمن الفكري يعد مطلباً ملحاً في ظل الانفتاح المعلوماتي الذي يعيشه العالم اليوم"، مشيراً إلى أهمية فقه الاختلاف، مستشهداً بما كان من الهدي النبوي واختلاف مسلك الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- في حادثة بني قريظة المشهورة، حيث أخذ بعضهم بمنطوق الحديث وأخذ آخرون بمفهومه، دون أن ينكر بعضهم على بعض، ودون أن ينكر النبي الأكرم على أي من المسلكين، بل حتى دون ترجيح اجتهاد على الآخر.
ولفت الغيث إلى أهمية التزام المنهج العلمي القائم على التثبت وفحص الأقوال والأخذ والرد على هدي من كتاب الله -جل وعلا- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وقال الغيث: "إننا نحتاج إلى وسطية تتسع للرأي والرأي الآخر وفق منظومة شرعية أخلاقية تستوعب جميع أبناء هذا الوطن، وتحتوي اختلافاته التنوعية"، مشيراً إلى أن "فئتين تضران بمصالح الوطن: الفئة التي تبالغ في المدح وتدعي الكمال والمثالية في المؤسسات والوزارات، والفئة التي تضخم الأخطاء وتتخذ منها ذريعة للتعبئة ورسم صورة سوداوية غير واقعية".
وتساءل الغيث: "لماذا نقبل التجديد في جوالاتنا وسياراتنا وأثاثنا وملابسنا ثم نقف حجر عثرة في وجه التجديد في الفكر؟! ومن جهة أخرى: لماذا لا نخضع أنفسنا للمراجعة والتقويم؟ ولماذا نفترض صواب آرائنا مع أن الإمام الشافعي كان يقول: رأينا صواب يحتمل الخطأ؟!".
كما تساءل في نفس السياق: "لماذا حتى إذا سمعنا بالمراجعات فإننا لا نكاد نسمع بالتراجعات مع أن المنتظر أن تبرز التراجعات متى ما كان ثمة مراجعات حقة؟!".
وعدّ الغيث المقهى الثقافي ببارق تطبيقاً للأمن الفكري، ومثالاً حياً على ما ينبغي أن تضطلع به مؤسسات المجتمع المدني من مهام، وما يناط بها من أدوار للدفع باتجاه الأمن الفكري واستقرار المجتمع".
وعقب المحاضرة أتيح المجال للمداخلات والأسئلة، بدأها غرم الصقاعي الذي أثنى على المحاضرة، وأشار إلى الفرق المفهومي بين "الأمن الاجتماعي" و"الأمن المجتمعي".
من جانبه أكد أبوطالب الطالبي انتماء أبناء هذا الوطن لقيادتهم الحكيمة ووطنهم المعطاء، مبيناً أن الفكر المتطرف هو فكر دخيل استغل عواطف الشباب وغرر بهم.
من جهة أخرى قال عبدالعلام الفلقي إن الغيث يؤكد باستمرار، وفي غير ما مناسبة، على قضية التراجعات التي ينبغي أن تنبني على المراجعات، مشيداً بطريقته في التعامل مع مخالفيه.
وتساءل الإعلامي عبدالله السالمي عن إمكانية استبدال مصطلح "الأمن الفكري" بمصطلح آخر يكون أكثر جذباً وحميمية بأوساط الشباب؛ لأن مصطلح "الأمن الفكري" قد يكون محفوفاً بسوء الفهم.
وأشاد محافظ بارق سلطان السديري بجهود المقهى الثقافي، شاكراً للمحاضر طرحه المميز، ولمدير الأمسية إدارته البارعة، ومؤكداً على أهمية موضوع المحاضرة، ومثمناً في الوقت نفسه دور بلدية محافظة بارق في احتضان فعاليات المقهى الثقافي.
وفي ختام الأمسية قدم المقهى الثقافي درعين تذكاريتين لفضيلة الشيخ الدكتور عيسى الغيث، والدكتور علي الرباعي.