وجّه الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي إمام الحرم المكي الشريف، الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن عبدالله السديس، كلمة لعموم المسلمين وقاصدي بيت لله الحرام بمناسبة دخول العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، جاء فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه.. أما بعد: أيها الإخوة المسلمون، أحيكم بتحية الإسلام. فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. ونحمد الله تبارك وتعالى على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة؛ إذ ينعم المسلمون ولله الحمد والمنة في هذه الأيام المباركة بحلول العشر الأواخر من رمضان، ويعيشون في رحاب هذا الحرم الآمن ولله الحمد والمنة، فنحمد الله تبارك وتعالى، ونشكره، ونسأله أن يوزعنا شكر نعمه، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يمنَّ علينا وعليكم بالعتق من النار.
أيها الإخوة المسلمون.. يطيب لي باسمي واسم أئمة وخطباء وعلماء الحرمين الشريفين وإخوانكم منسوبي الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي أن نهنئ جميع الأمة الإسلامية، وهذه البلاد خاصة، وولاة أمرها، والمسلمين الذين يعيشون في هذا الحرم الآمن، ويعمرونه بالإيمان والذكر والتلاوة والعبادة، أن نهنئ الجميع بحلول هذه العشر المباركة، ونسأل الله أن يمنَّ علينا وعليكم فيها بالعتق من النار.
وتابع: لا شك أنها لحظات عظيمة وفرص مباركة ومناسبات قيمة؛ ينبغي على المسلمين أن يحفظوا أوقاتهم فيها، وأن يشغلوها بطاعة الله عز وجل؛ فهكذا كان رسولنا وحبيبنا وقدوتنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره".
إنها مناسبة عظيمة؛ ينبغي على المسلمين أن يحفظوا أوقاتهم فيها، وأن يحفظوا ألسنتهم، وأن يجتهدوا فيها بالصيام والقيام والذكر والمحافظة على تلاوة كتاب الله عز وجل، وأن يحذروا من كل ما ينقص ثواب أجر صيامهم وقيامهم.. ينبغي علينا أن نحفظ الألسنة، وأن نحفظ جوارحنا، وأن نستثمرها في طاعة الله وقرباته.
أيها الإخوة في الله.. لا تخفى عليكم جميعاً قداسة هذا الحرم المبارك العظيم العتيق؛ فهو مكان مقدس مبارك، طهره الله عز وجل؛ وينبغي على كل مسلم قدم إليه ووفد إليه أن يرعى له قدسيته وطهارته ومكانته، وأن يحرص على الأدب فيه والتزام الأخلاق والقيم والشمائل النبيلة، وأن يعامل إخوانه المسلمين معاملة الرفق والرحمة والمحبة والمودة والتسامح.. فلا يزاحم، ولا يؤذي إخوانه المسلمين، لا في المداخل ولا عند الأبواب ولا في الطواف ولا في السعي ولا في أماكن الصلوات.. ينبغي علينا أن نقدس هذا الحرم، ونرعى طهارته وقدسيته ومكانته، ولا نتجاوز أيّ أمر من الأمور التي حددها الشارع {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم} (الحج:25). إخوانكم في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وإخوانكم رجال الأمن، قد أعدوا ولله الحمد والمنة خطة متكاملة لنجاح موسم العمرة ولله الحمد والمنة، وقد تم هذا النجاح في العشرين الأُوَل بحمد الله وفضله، ونرغب من الجميع التعاون مع إخوانكم الذين جُندوا لخدمة قاصدي بيت الله الحرام، والتعاون مع إخوانكم رجال الأمن الذين يحرصون على استتباب الأمن والسلامة والنظام في هذا الحرم الآمن.
الأمة بحاجة إلى مزيد من الوعي والتعاون، ونشكر الجميع على هذا التعاون الذي نجده، والتجاوب، غير أن الحاجة ماسة إلى مزيد من التعاون بعدم حجز الأماكن، وعدم الصلاة في الممرات، وعدم إشغال الأنفس مثلاً بالتصوير والهواتف المحمولة، وغيرها مما يضيع الأوقات. وعلى المرأة المسلمة أن ترعى الحجاب والعفاف والاحتشام، وألا تزاحم الرجال قدر استطاعتها في هذا المكان المبارك. وعلى إخواننا المعتكفين أن ينشغلوا بما فيه سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف، من الإقبال والانقطاع للعبادة والذكر وتلاوة كتاب الله عز وجل، وعدم إشغال أنفسهم فيما يبعدهم عن الله تبارك وتعالى.
هذه مواسم عظيمة، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين الأُول بصلاة ونوم، فإذا دخلت العشر جد وشد المئزر.
فما أحرانا أن ننهج نهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن نسير على هديه عليه الصلاة والسلام.
هذا الحرم الآمن أُسس على التوحيد، وعلى سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليحذر المسلم الذي يريد الأجر والجنة أن يتلطخ بشيء من المخالفات العقدية أو المنكرات أو الأخطاء التي يقع فيها البعض، بحسن ظن منهم، وقد يكون لقلة وعي بعضهم.
والحقيقة أننا بحاجة ماسّة إلى أن نتعاون على البر والتقوى، وأن نجتهد كل الاجتهاد في السير على ما يقربنا إلى الله عز وجل، والتزام النظام.
الحمد لله، توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز توسعة عملاقة، فتحت أبوابها هذا العام ولله الحمد والمنة، فما أحرى بالمسلمين أن يبتعدوا عن المزاحمة، وأن يعمروها بما يقرب إلى الله عز وجل بالصلاة فيها.
كذلك ما يتعلق بإخوتنا ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين وأصحاب العربات، فقد خُصص لهم الحلقة العلوية من الجسر المؤقت، أما الحلقة السفلية فقد خُصصت للعائلات وأخواتنا النساء. ينبغي علينا أن نتعاون على البر والتقوى، وأن نتكاتف، ونكون يداً واحدة في عمارة هذا الحرم الآمن.
جزى الله ولاة أمرنا كل خير على ما يقدمون للحرمين الشريفين وقاصديهما من عناية فائقة وخدمات جليلة من منظومة الخدمات المتكاملة، وجعلها الله في موازين أعمالهم الصالحة.
نسأل الله أن يمنَّ علينا وعليكم في هذه العشر المباركة وفي هذا المكان المبارك بالعتق من النار.
اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم اجعلنا ممن يوفق لقيام ليلة القدر يا جواد يا كريم، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك جواد كريم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.