طرحت صحيفة "الجارديان" البريطانية موضوع تعليقات القراء على موقعها الإلكتروني للنقاش، فسألت اثنين من كتابها سؤالاً واحداً، هل يجب إلزام القراء بكتابة أسمائهم الحقيقية حين يعلّقون على الأخبار والمقالات في موقع الصحيفة، أم يظل من حق القارئ عدم الإعلان عن اسمه الحقيقى؟. وفي مناظرة حقيقية أجابت كاتبتان عن هذا السؤال، إحداهما أعلنت أنه يجب إلزام القارئ بكتابة اسمه الحقيقي، والأخرى رفضت هذا، وطرحت كل منهما أدلة على رأيها. وترى الكاتبة راشيل كوك الحاصلة على جائزة الصحافة البريطانية عام 2006، أنه يجب إلزام القراء بكتابة أسمائهم الحقيقية عند التعليق بالصحيفة، سواء على الأخبار، أو مقالات الرأى، وقالت كوك: "إن عدم استخدام الأسماء الحقيقية للقراء المعلّقين، يؤدي إلى نتائج سيئة جدا، سواء فيما يخص المحتوى الفكري للتعليقات، أو اللغة المستخدمة، وحتى العدل لمن يكتب اسمه الحقيقي". وتعطي الكاتبة مثالاً لذلك، وتقول: "كتبت مقالاً منذ شهور قليلة، وفي صحيفة شهيرة، وفوجئت بعدد هائل من التعليقات، لكن ما صدمني وأثار فزعي، أن بعض التعليقات، تناول حياتي الشخصية، فقال أحدهم: "إن إخوتي البنات يكرهنني"، وبعض التعليقات حاولت النَّيل من سمعتي، فذكر معلق أنني: "أبدأ يومي بتناول الخمر"، وفي الحال فكرت في الإتصال بمحامٍ لإعداد قضية سب وقذف. وتتساءل الكاتبة مندهشة: "لماذا يُسمح للناس بكتابة تعليقات دون كتابة أسمائهم؟".. ثم تتناول حجة البعض في ذلك بأن "كتابة التعليق دون اسم أو تحت اسم مستعار، تسمح للناس بالتعبير بحرية أكبر، وأن إلزامهم بكتابة الأسماء ربما يجعلهم يحجمون عن الكتابة، ويعودون إلى صمتهم". وترد الكاتبة بقولها "إن هذا تبرير غبي، وكلام ضخم يخلو من أي معنى، فالذى يعرفه كل من يراقب الإنترنت، أن من بين ملايين الكلمات التى تكتب يومياً، فقط أقل القليل هو ما يحمل سراً خطيراً، أو مؤامرة تدبر، أما غير ذلك فلا يزيد عن رأي هنا ورأي هناك، فمعظم المعلقين من القراء على الإنترنت، يقدمون الرأي والحجة أو الدليل عليه من ثقافتهم وإطلاعهم والكتب والمقالات والدراسات التى اطلعوا عليها، والكثير منهم يعطي الرأي ولا يملك حتى حجة أو دليلاً، فهل يستدعي هذا الرأي ألا يكتب اسمه" والقليل جدا من القراء من يقدمون معلومات، فإن كنا نرغب في مشاركة بعضنا البعض بهذه المعلومات والجدل حولها، فلا بد أن ننهي حالة مجهولية الاسم منذ الغد. إن الناس الذين لا يظهرون هويتهم الحقيقية يميلون أكثر إلى أن يكونوا سيئين، يبثون تعليقات مملوءة بالحسد والكراهية ضد الآخرين، ولا يقنعني أحد بأنهم أناس طيبون في حياتهم العادية والحقيقية، وخلاصة القول "أن القارئ الذي لا يذكر اسمه حين يرسل تعليقاً، هو قارئ جبان أشفق عليه من جبنه". وفي مقابل هذا الرأي، ترفض الكاتبة والصحفية الأمريكية أليكس كروتوسكي، والمتخصصة في قسم التقنية بصحيفة "الجارديان" إلزام القراء من أصحاب التعليقات بالإعلان عن أسمائهم الحقيقية، وتقول: "سأخبركم بسرٍ صغير، إن من يجلس على الإنترنت لخمس دقائق فقط، يعرف أنه مع التقنية الحديثة، لا يوجد شيء اسمه شخص مجهول على الإنترنت". وتضيف الكاتبة: أنا لا أرى علاقة بين اسمي وبين ما أكتبه، أما إلزام الناس بإعلان هويتهم، فسيجعلهم يحجمون عن المشاركة والتعبير، وهو الأهم لمن يرغب في معرفة توجهات الناس وأفكارهم، وتضيف أن كتابة تعليقات القراء تحت اسم مستعار، تضمن مساهمة أكبر، والصمت هو البديل الوحيد في حال إلزامهم بكتابة أسمائهم الحقيقية. وتضيف الكاتبة: إن حجة المطالبين بإعلان القراء عن أسمائهم الحقيقية عند التعليق، هى أن الشخص المجهول الهوية، يخرج أسوأ ما بداخله إن وضع أصابعه على لوحة الكتابة، وأنا أرى أن هذا الرأى خطأ، وأن ما يحدث هو العكس تماماً، فقد أثبتت الدراسات أن الناس يميلون طبيعياً إلى الانفتاح على الآخرين، وأن يكونوا أمناء معهم، أكثر من محاولتهم كسر الأعراف الاجتماعية السائدة. أيضاً تعد سمعة الشخص على الإنترنت هي كل رأس ماله الاجتماعي، وبالتالي يرغب القارئ من تعليقه طرح قيمة جيدة، أو رأي مقبول أو متميز، يقبله بقية القراء في تعليقاتهم ويجتمعون حوله، بالتالي يعد الهجوم على الآخرين، واستخدام لغة سيئة أو إعلان الحسد والكراهية، أسرع طريق لرفض الآخرين له، وبالتالي تخصم من سمعته ورصيده الاجتماعي حتى تحت اسم مستعار، لا يعني شيئاً. إن القراء لا يعلقون في الفراغ، ولا يدخل الواحد منهم كي يلقي بقنبلة ويغادر، إنهم مجتمع كامل يتعايشون ويكادون يعرفون بعضهم حتى بأسماء مستعارة، ويحاولون كسب ود الآخرين بكلمات طريفة أو معلومة صغيرة وغيرها.