تأتي زيارة ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز، اليوم، للهند ترجمة للمزايا الاقتصادية السياسية بين المملكة العربية السعودية وشبه القارة الهندية، لتكون مشاريع دائمة تعزز اقتصاد البلدين، فالمملكة العربية السعودية لها علاقات اقتصادية حيوية مع الهند من خلال اعتماد الهند في جزء كبير من وارداتها البترولية على إنتاج السعودية، لأنها تحصل على أكثر من 30 في المائة من حاجاتها البترولية من المملكة، وتصل كميات ما تصدره السعودية للهند إلى نحو 500 ألف برميل يومياً. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2009 نحو 103 مليارات ريال، مرتفعاً بنسبة 600 في المائة عما كان عليه في عام 2000م، بالإضافة إلى نمو كبير في جانب التجارة البينية بين الدولتين، وبلغ حجم التجارة البينية بين البلدين في عام 2012م 37 مليار دولار، ليرتفع في 2013 إلى 43 مليار دولار.
ومن ضمن العلاقات الاستثمارية نجد إسناد عدد من المشروعات الكبيرة في المملكة إلى الشركات الهندية، واتجاه الشركات السعودية الكبيرة لتعزيز استثماراتها في الهند، كقيام شركة «سابك» السعودية، خلال عام 2013 بإنشاء مركز تقني للأبحاث والتطوير في الهند باستثمار مبدئي 100 مليون دولار، ويساهم ذلك التعاون والدعم للتبادل التجاري والاستثماري في كل المستويات التجارية والاستثمارية، وهو ما انعكس في وجود ما يزيد على 350 مشروعاً هندياً في المملكة عام 2012م، تتجاوز قيمتها 1.6 مليار دولار.
عالم اقتصادي جديد
وتعمل هذه المشروعات في مجالات متعددة، مثل: المقاولات والبناء والاستشارات الإدارية، وتقنية الاتصالات والمستحضرات الصيدلانية، وغيرها، وهناك مساع إلى جذب مزيد من الاستثمارات وإقامة مشروعات مشتركة في إطار الاستفادة من المزايا النسبية المتوافرة لدى الجانبين.
وبذلك تعد الهند عالماً اقتصادياً جديداً، سيترجم هذه القوة إلى سياسات وعلاقات بالعالم أجمع، وبالمملكة العربية السعودية خاصة، ومن هنا تصبح العلاقة السعودية الهندية ذات أثر عميق وخاص، حيث إن السعودية تملك من المزايا الاقتصادية والسياسية والتاريخية، مع الهند ما تتفرد به بين دول العالم كلها، وترجمة هذه المزايا إلى مشاريع دائمة، هو ما سيعمق هذه المصالح بين البلدين ومن أجل ذلك جاءت زيارة ولي العهد.
علاقات راسخة
الدولتان تقيمان علاقات مميزة وراسخة، تعود جذورها إلى التجارة القوية التي يعود تاريخها إلى قرون عدة، فالهند وبحكم موقعها وقربها من منطقة شبه الجزيرة العربية، ساهمت في عملية البناء الاقتصادي والتجاري مع دول الخليج العربي، خصوصاً المملكة التي يقيم فيها اليوم أكثر من مليوني مواطن هندي، يعملون في كافة القطاعات الاقتصادية والخدمية، لكن العلاقات السياسية بدأت بشكلها الرسمي منذ إشادة جواهر لال نهرو بحنكة الملك عبدالعزيز عند توحيده للمملكة عام 1932، وتعززت سياسياً عندما أرسى قواعدها الملك فيصل عام 1955 خلال زيارته للهند، تبعتها عام 1956 زيارة رئيس الوزراء الهندي نهرو، لذلك نجد أن السعودية كانت لديها رؤية صحيحة لمستقبل الهند، فحرصت منذ استقلال الهند على تعزيز العلاقات معها، وبدأت بتعزيزها بشكل رسمي بعد الحرب العالمية الثانية، إدراكاً منها لأهمية الهند باعتبارها لاعباً استراتيجياً في القارة الآسيوية، وكذلك لوجود أكثر من 100 مليون مسلم، فالمملكة إضافة إلى اهتمامها بمصالحها الاقتصادية والسياسية لا تغفل عن مصالح الأقليات المسلمة في الدول غير المسلمة.
البنوك المشتركة
وتأتي هذه الزيارة امتداداً للاهتمام السعودي بدول الشرق والرغبة الأكيدة في بناء علاقات متينة وتبادل تجاري وفتح فرص الاستثمار وترقية وتعزيز هذه العلاقات في كل المجالات بما يخدم المصالح المشتركة بين السعودية وتلك البلدان.
ويتطلع الكثير من رجال الأعمال في البلدين إلي إقامة بنوك مشتركة بين المملكة والهند لتمويل المشروعات وتشجيع عمليات التصدير، ومنح قطاعي الأعمال في البلدين تسهيلات خاصة لتشجيعهم للدخول في مشروعات استثمارية وتفعيل خطوط النقل لخدمة عملية التبادل التجاري وتنشيط الحركة التجاريَّة، والاهتمام ببرامج التدريب ونقل التقنية وتبادل الخبرات والمعلومات الاستثمارية وإقامة المعارض للتعريف بمنتجات البلدين.
بالاضافة إلي زيادة الاهتمام بالتعاون في مجال الاستثمارات والمنشآت الصَّغيرة والمتوسطة، والسلع والخدمات غير البترولية، حيث أعاد طرح فكرة إنشاء شركة قابضة مشتركة يكون مقرها دلهي برأسمال مشترك، وإقامة مشروعات مشتركة في المدن الصناعيَّة بالمملكة.
تكامل بين قوتين
وبالإضافة إلى التطلعات بين الجانبين لدفع التبادلات التجاريَّة والتعاون في العديد من القطاعات، كالبنية التحتية والمقاولات والتدريب والتقنية والاستثمارات الصَّغيرة والمتوسطة، حيث أن مقوِّمات الشراكة متوفرة فالاقتصاد الهندي ينمو بشكل مطرد وتنوع قاعدته الإنتاجيَّة وتحتل الصادرات الهندية والناتج الإجمالي مركزاً متقدماً عالمياً وهي أيْضاً أكبر مصدر للعمالة الماهرة ولديها نظام تعليمي واهتمام كبير بالتدريب والتقنية، وفي المقابل يكتنز الاقتصاد السعودي العديد من الفرص حيث يمكن للهند المساهمة في العديد من المشروعات التنموية التي تنفذها المملكة وفي المدن الاقتصاديَّة والصناعيَّة.