رقص الآلاف في شوارع جنوب السودان أثناء الليل احتفالاً بالساعات الأولى لاستقلال نالوه بشق الأنفس يوم السبت، لكنه يدخِل المنطقة في فترة جديدة من عدم اليقين. ومنذ منتصف الليل أضحت جمهورية جنوب السودان المنتجة للنفط، أحدث بلد في العالم. وحصل جنوب السودان على الاستقلال في استفتاء أجري في يناير تتويجاً لاتفاق سلام أنهى عقوداً من الحرب الأهلية مع الشمال. وفي البداية حاولت قوات الأمن السيطرة على الشوارع الترابية في جوبا عاصمة الجنوب ولكنها تراجعت أمام الحشود المبتهجة التي لوحت بالأعلام ورقصت وتغنت بالحرية. ومع بزوغ الشمس تدفق الآلاف على موقع الاحتفال الذي يقام يوم السبت بمناسبة الاستقلال، ما قد يسبب صداعاً للمسؤولين الحريصين على حماية الشخصيات البارزة التي تشارك في الاحتفال، ومن بينها الرئيس السوداني عمر حسن البشير. ونتيجة سنوات الحرب الطويلة تتراكم كميات كبيرة من الأسلحة في جنوب السودان. وفي مؤشر محتمل على تحالفات جديدة في السودان تضمن الحشد نحو 200 من مؤيدي زعيم متمردي دارفور عبد الواحد النور الذي تقاتل قواته الخرطوم في تمرد اندلع قبل ثمانية أعوام على حدود جنوب السودان مع الشمال. ووقف مؤيدو فصيل النور في جيش تحرير السودان ينشدون مرحبين "بالدولة الجديدة" وهم يرتدون قمصاناً قطنية تحمل صور زعيمهم، وحمل أحدهم لافتة كتب عليها أن البشير مطلوب حياً أو ميتاً. وقادت الحركة المتمردين الذين قاتلوا الشمال حتى عام 2005 ويسيطرون الآن على الحكومة في الجنوب. ودقت مجموعات تؤدي رقصات شعبية الطبول ولوحت بدروع وأشياء أخرى في جو احتفالي. وقال جوما سيريلو (47 عاماً) وهو يضع يده على كتف ابنه: "هل تريد أن تكون مواطناً من الدرجة الثانية. لا.. أريد أن أكون مواطناً من الدرجة الأولى في بلدي". وقام قساوسة مسيحيون بمباركة مكان الاحتفال بوسط جوبا، حيث يوجد تمثال ضخم يلفه علم قرب قبر بطل الحرب الأهلية في الجنوب جون قرنق. وقال باجان أموم الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان لرويترز: "اليوم نرفع علم جنوب السودان لننضم لدول العالم. إنه يوم نصر واحتفال". وقال سيمون أجاني (34 عاماً) وهو يتجول ليصافح آخرين: "أخيراً الحرية. الانفصال عن الشمال هو الحرية الكاملة". وكانت حكومة السودان في الخرطوم أول بلد يعترف بالدولة الجديدة قبل ساعات من الانفصال الرسمي في خطوة مهدت الطريق لتقسيم السودان التي كانت حتى السبت أكبر بلد إفريقي. ولم يبدد الانفصال المخاوف من أي توتر في المستقبل. كما لم يتفق زعماء الشمال والجنوب بعد على قائمة من القضايا الحساسة، من أهمها ترسيم الحدود بشكل دقيق وكيفية التعامل مع عائدات النفط شريان الحياة في اقتصاد البلدين. وبعد حلول منتصف الليل فقدت جمهورية السودان نحو ثلاثة أرباع احتياطيات النفط الواقعة في الجنوب، وتواجه المستقبل بحركات متمردة في دارفور وإقليم جنوب كردفان. وفي الخرطوم وقبيل الانفصال قال الرئيس السوداني عمر حسن البشير، الذي يرأس الشمال، للصحفيين: إنه سيحضر احتفالات الاستقلال في وقت لاحق يوم السبت في جوبا. وقال البشير: إنه يود أن يؤكد استعداد بلاده للعمل مع الجنوبيين ومساعدتهم في إقامة دولتهم حتى تصبح مستقرة وتحقق النمو. ووجود البشير في الاحتفال رغم أنه ينم عن نوايا الشمال الحسنة إلا أنه يسبب إحراجاً لبعض الدبلوماسيين الغرببيين لأن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة اعتقال بحق البشير لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في دارفور. وأعرب محللون عن خشيتهم من العودة للحرب الأهلية إذا لم تحل الخلافات. وأبلغ الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون الصحفيين في جوبا يوم الجمعة، أنه واثق في أن جنوب السودان سينضم قريباً للمنظمة الدولية. وقال: "يبدأ جنوب السودان وجوده كدولة في مواجهة تحديات هائلة، ولكن جنوب السودان يمتلك إمكانات كبيرة من موارد طبيعية ومساحات شاسعة من الأراضي القابلة للزارعة حيث يقطعه النيل الأبيض". وصوت مجلس الأمن الدولي الجمعة على تشكيل بعثة جديدة في جنوب السودان، قوامها يصل لسبعة آلاف من قوات حفظ السلام. وكان بان قد حث في وقت سابق في الخرطوم حكومة الشمال على السماح لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بالبقاء بعد انتهاء تفويضها الخاص بمراقبة الموقف في جنوب كردفان أكبر ولاية متبقية منتجة للنفط تتبع الشمال بالجنوب وفي بعض الأماكن الأخرى الساخنة. وينتهي يوم السبت تفويض قوة الأممالمتحدة التي نشرت عشرة آلاف فرد من قوات حفظ السلام في السودان لمراقبة اتفاق السلام المبرم في عام 2005.