يستطيع القادم إلى جناح منطقة عسير في مهرجان الجنادرية 28 أن يشتم عبق الماضي وروائحه، عبر جولة بسيطة في أركان الحرف المهنية والملبوسات القديمة، التي كانت وما زالت تميّز المنطقة، كأحد أهم الموروثات الشعبية القديمة في الجزيرة العربية، وتحديداً الجزء الجنوبي الغربي منها. ومن اللبس التقليدي المستخدم لدى المرأة العسيرية إلى الساحل بعيداً هناك، حيث تنبض الحياة بأهم النشاطات الحياتية التي قامت عليها المنطقة في طلب الرزق كصيد الأسماك، وإلى رائحة التربة المختلطة بالمطر هناك في الجبل حيث قيام تلك العلاقة بين الإنسان والحيوان في تكوين معالم هذه الأرض ونقش تعبهم وجهودهم المضنية على جنبات أداوتهم التي يستخدمونها في حرث الأرض لجلب الرزق لمن وراءهم. وضمت قرية عسير العديد من المهن الحرفية المتوارثة عن طريق الأجداد، منها مهنة صيد الأسماك على سواحل منطقة عسير وفي مناطق مختلفة مثل "الحريضة- القحمة- البرك". وبيّن "محمد الحسن" المشرف على جناح أدوات الصيد في القرية أن هذه المهنة قديمة جداً في المنطقة، ومتوارثة، وليست حديثة؛ وذلك نظراً لمحاولة الآباء والأجداد البحث عن أرزاقهم في أعماق البحار، وإن كلفهم الكثير. وشرح "الحسن" طريقة صنع الشباك المستخدمة في عملية الصيد التي كان يستخدمها الآباء قديماً، والتي تصنع يدوياً عن طريق تجهيز أطرف الشبكة بالثقل، وهي أنواع؛ فهناك من الشباك ما يسمى ب "الخداج" وتكون على شكل دائري، ونوع آخر يسمى ب"الشعي". وحول نماذج القوارب المستخدمة قديماً قال "الحسن": هنالك أشكال متعددة كانت تستخدم في صيد الأسماك، وهي على أربعة أشكال، وتعرف باسم "السنبوق". وفي قسم آخر من القرية يجلس العم مشبب بن غرسان الشهري لتروي تجاعيد وجهه تلك السنين الطويلة التي قضاها في صناعة حرفة مهمة من الحرف التقليدية في منطقة عسير، هي "صناعة الصحاف" التي تشتهر لديهم في استخداماتها اليومية والمختلفة في الأكل والشرب والحفظ، وغير ذلك الكثير. ويعدّ عود "الغرب" من الأشجار القديمة التي توجد في الجزيرة العربية، وعلى وجه الخصوص في منطقتي الجنوب والحجاز، وتستخدم هذه الأدوات الخشبية بعد نحتها وتجهيزها للاستخدام لحفظ "البرّ والسمن" والأكلات الشعبية الأخرى، كما تستخدم أيضاً للشرب ولوضع وحفظ فناجيل القهوة وحافظات متعددة الاستخدامات للسكر والمكسرات. ويؤكد العم "مشبب" أن هذه الأدوات ما زالت تُستخدم في أجزاء كبيرة من منطقة عسير، ولاسيما لدى المهتمين بها من كبار السنّ والمحبين للتراث وأدواته. وتتراوح قيمة هذه الأدوات، ولاسيما الصحون التي تُستخدم للأكل، ما بين 400 ريال و600 ريال. أما الأدوات الأخرى التي تستخدم للحفظ فما بين ال 300 ريال و600 ريال. وللفضة عشاقها، ولصاغتها حكاية طويلة تتوارى تفاصيلها في أدواتهم التي كانوا يستخدمونها في صياغة هذه الفضيّات خلال السنوات الماضية. وقال علي محمد مكرزي المختص في صناعة "الجنابي" منذ 20 عاماً إنه شارك طوال هذه السنين في مهرجان الثقافة والفنون بالجنادرية؛ ليؤكد عمق أصالة هذه الحرفة العتيقة التي مثلت جزءاً مهمًّا من حضارة منطقة عسير خلال السنوات الماضية. واعتبر "مكرزي" أن صياغة الفضيات من أهم الحرف التي تحتاج إلى الخبرة في هذا المجال، وكذلك الصبر؛ لأنها تستغرق وقتاً ليس باليسير في صياغتها؛ حيث تتم صياغة فضيات "الجنبية" خلال أسبوع كامل، وقيمتها تقارب ألفي ريال، ولديها الكثير من العشاق والمهتمين؛ ما ساعدها على البقاء كأحد الموروثات الشعبية الأصيلة القديمة في منطقة عسير. وللمقتنيات الأثرية العسيرية مكان خاصٌ في الوجدان والقلب قبل مكانها على أرض الجنادرية؛ لتروي عبر أدواتها العتيقة تفاصيل السنين الطويلة الذاهبة في أعماق القلوب البشرية القائمة على عرضها في أجنحة المهرجان. ومن هذه المقتنيات ما يسمّى بال"محالة" أو العجلة التي كانت تُستخدم في زراعة الأراضي في منطقة عسير واستصلاحها لسحب الماء، وكذلك "اللومة" أو "الجهاز" الذي كان يستخدم لحرث الأرض وتجهيزها من أجل زراعتها. ويضم كذلك قسم المقتنيات الأثرية ما يسمّى بال"المضمد"، وهو ما يوضع على ظهر الحيوانات التي تقوم بحرث الأرض وتجهيزها للزراعة، ومن ثم ربطه بالمحراث، وكذلك "الخرج"، وهو ما يوضع على ظهر الدابة أثناء السفر لحمل الأغراض أثناء السفر. ومن الأدوات القديمة المستخدمة كذلك "القربة"، وهي التي تحفظ الماء للشرب و"الصحاف" للأكل و"البرمة" لتجهيز الأكل. وهناك "القدح" على نوعين، فالكبير يستخدم لحفظ الحليب، والصغير يستخدم لحفظ الزبدة والسمن، و"المغراف" الذي يستخدم قديماً عادةً لغرف السمن واللبن والطعام، وكذلك المكاييل بأنواعها كالمد ونصف المد وربعه، و"النجر" الذي يستخدم للطحن و"السراج" للإنارة و"الموقد" لوضع الجمر و"المنفاخ" لشب النار. كما تضمن قسم المقتنيات الأثرية العديد من المخطوطات القديمة التي تثبت الحركة التجارية في منطقة عسير قديماً وتعاملات التجار فيما بينهم. وفي قسم مستقل من القرية يظل العسل العسيري أهم ملامح المنطقة قديما وحديثاً. وأوضح عبدالله أحمد عسيري أحد النحالين المشاركين في قرية عسير بالجنادرية أن هنالك أنواعاً مختلفة من العسل؛ فهنالك السدر والسمر والمجرى، وجميع هذه الأنواع يتم جلبها من "صدر" و"أيله" و"أم الريم" و"خميس البحر". وتختلف أسعار هذه الأنواع من نوع لآخر؛ فعسل السدر والسمر يبلغ سعر الكيلو الواحد منه 200 ريال، أما المجرى فيبلغ سعر الكيلو الواحد منه 300 ريال. وأضاف "عسيري": لدينا في المعرض كذلك أنواع مختلفة من السمن الذي يبلغ سعره 180 ريالاً، وهناك أصناف مختلفة منه؛ فهنالك سمن البقر وسمن الغنم. ويمثّل السمسم أحد الموروثات القديمة في المنطقة؛ حيث يعدّ من أنواع المأكولات المفضلة لدى الكثيرين. وتعد شجرة السمسم هي أصل هذه الحرفة؛ حيث يتم أخذ الحبّ أو الثمرة منها وجمعه، ثم يتم وضعه في ماكينة العصر الخاصّة، وبعد ذلك تأتي مرحلة التصفية واستخراج الزيت؛ ليكون بعد ذلك جاهزاً للاستخدام. ويبلغ سعر كيلو السمسم 90 ريالاً. وتمثلّ المصوغات الفضية إحدى الحرف التقليدية القديمة المنتشرة في منطقة عسير. وقال ناصر محمد الناصر إنه تتم إعادة تشكيل هذه المصوغات الفضية وتأهيلها، ولاسيما القطع النادرة منها؛ حيث يتم إحراقها بالنار ثم يتم تنظيفها ببعض المنظفات الكيمائية. وتختلف أسعارها بين الجديد والقديم منها؛ حيث تتراوح أسعار الكيلو من الفضة القديمة ما بين ألف ريال وألفي ريال، أما الجديدة فتتراوح أسعارها ما بين ثمانية آلاف ريال و12 ألف ريال. وفي جهة أخرى من القرية يؤكد بريك القرني بقاء مهنة الحدادة لبعض الأدوات عبر وجوده في مهرجان الجنادرية 28، وعرضه للعديد من الأدوات التي يتم صنعها وتجهيزها محلياً، وهي كثيرة ومتنوعة؛ فهنالك الفؤوس التي تتراوح أسعارها ما بين 25 ريالاً ومائة ريال، والسكاكين وأسعارها تتراوح ما بين ال 30 والمائة ريال، وصاجات الخبز وأسعارها ما بين 70 و90 ريالاً، والمراكيب وأسعارها ما بين 50 و60 ريالاً، والملاقيط وأسعارها ما بين عشرة و15 ريالاً، وشناكير الذبائح وسعرها يبلغ 25 ريالاً، والمنازيع وأسعارها ما بين عشرة و 15 ريالاً، ويد المحماس وسعره 15 ريالاً، والمحماس وأسعاره تتراوح بين مائة ريال و300 ريال، واللومة وأسعارها تبلغ 150 ريالاً. وتبقى التحف والآثار في منطقة عسير من أهم الأشياء التي يجب عرضها وإبرازها خلال مهرجان الجنادرية. وقال علي محمد زرقان إن هذه التحف من الأشياء المهمة والقديمة التي تمثل الحضارة في السعودية، بل قبل ذلك بسنين طويلة؛ فهنالك العملات التاريخية التي ما زالت منذ عهد الملوك فيصل وخالد وعبدالعزيز – رحمهم الله جميعاً – إضافة إلى العملات الأخرى الأجنبية كالفرنسية والعثمانية والميداليات القديمة والعملات الفضية كالريال العربي والبنادق والسيوف القديمة والمصاحف القديمة وكذلك أجهزة الهاتف القديمة. وأضاف "زرقان": يوجد لدينا في قسم الآثار ال"قراما فون"، وهو عبارة عن مشغل أسطوانات حجرية قديمة، وتمت صناعته في فرنسا، وعملات أخرى من العهد العباسي كعهد هارون الرشيد. كما حرصت قرية عسير على إبراز الموروث الشعبي عبر إظهار الزي المستخدم في المنطقة للنساء. وأوضح محمد الراقدي صاحب محل ملبوسات شعبية أن القطيفة والقطنيات والروز عبارة عن ثوب كامل للمرأة العسيرية، كانت تستخدمه وتلبسه خلال السنوات الماضية، وهنالك أيضاً المنديل والشيلة والمريشة، وكلها من الألبسة التي تضعها المرأة فوق الرأس كنوع من الغطاء.