في بلد بحجم السعودية مترامي الأطراف، ينمو اقتصادياً وسكانياً بشكل سريع؛ تبرز الحاجة الملحّة لحلول إبداعية، تفك ما نعانيه من اختناقات مرورية، وتقلل تكدس المركبات في مختلف شوارعنا، وتصون الطرق الدائرية والسريعة، التي تربط مدننا، والتي أصبحت تسمى "طرق الموت"؛ لما تحصده من أرواح بريئة.. وعند الحديث عن هذه الإشكالية المزمنة تتجه الأنظار لوزارة النقل والمواصلات؛ لإيجاد مخارج لما سببه تقصير "بيروقراطييها" من تعطيل لأهم جوانب التنمية في بلادنا. فعلى الرغم من أهمية النقل وإيجابياته للمجتمع وفق مفهوم حضاري إلا أن هذا الدور وهذه الأهمية ما زالا مفقودَين عند متخِذ القرار بوزارة النقل في اختيار الطريقة المناسبة لتقديم خدمات النقل والمواصلات الحديثة بجودة عالية. وهنا نتوجه إلى وزير النقل الدكتور جبارة الصريصري، الذي أكمل هذا العام 10 سنوات على "كرسي" الوزارة، متسائلين عن أسباب تردي خدمات النقل والمواصلات في بلادنا، رغم توافر الأموال، والكفاءات، والدعم اللامحدود من ولاة الأمر – حفظهم الله -.
- فيا وزير النقل.. لقد أثبتت التجارب في كثير من الدول أن التباطؤ، والتساهل، والتأخر في معالجة مشكلات النقل والمواصلات تكلف اقتصادنا المزيد من المليارات، وترفع التكلفة، وتضاعف الخسارة على التنمية والمجتمع.. فأين الحلول؟ وما هي الخطط؟ ومتى تُنفَّذ مشاريع وزارتك لمعالجة هذه الإشكالية المزمنة؟ - ويا وزيرنا - حفظك الله - لا تزال وسائل النقل العام داخل المدن تائهة بين حافلات "خط البلدة أبو ريالين" و"سيارات الأجرة المتهالكة"، دون أن نعرف أسباب غيابها رغم أننا بلد متطور اقتصادياً؟ - لماذا لم تفتح حتى الآن وزارتك المنافسة بين شركات النقل، ولا تزال محصورة في النقل الجماعي؟ - لماذا لم يصدر حتى الآن هيكل تنظيمي لقطاع النقل، يضبط شؤونه، ويراقب، ويحاسب، ويطور آليات إصدار الرخص بالتحديد؟ - ماذا قدمت وزارتك للمنطقة الشرقية التي تعاني من تعثر مشاريع، تصل إلى مئات الملايين من الريالات المهدرة، خاصة طريق "حفر الباطن - النعيرية" القاتل؟ - لماذا وأنت رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للخطوط الحديدية لا يزال قطار الرياض - رغم "سِكّته" القصيرة نحو الشرقية - تارة يتعطل، وتارة ينقلب، وأخرى يتوقف تماماً؟.. ونأمل ألا يرمي "بيروقراطيو" الوزارة وفاسدوها اللوم على الشركة الإسبانية. - لماذا وأنت رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للموانئ لا تزال موانئنا البحرية متردية، والأرصفة قديمة، والحاويات متهالكة، والاعتماد متواصلاً على مقاولي السعر الأرخص، وليس الكفاءة؟
- وإن كان "معاليك" في تحدٍّ متسرع - على ما يبدو - طلبت ممن يملك دليلاً واحداً أو أية معلومات عن فساد أو عدم تطبيق للنظام أن يتقدم للوزارة، فاسمح أن نتقدم بعدد من شبهات الفساد المالي والإداري، واستكمال التحقيق فيها إن كنت جاداً فيما تعنيه، وهي كما يأتي: - التلاعب في إصدار التراخيص، ورشاوى التفتيش على المخالفين، وتجاوزات المستثمرين العشوائيين في قطاع النقل؟ - التجاوزات والمخالفات الإدارية والمالية والنظامية في عقود "التقنية الإلكترونية"، التي تُعد بملايين الريالات؟ - إهدار ملايين الريالات المخصصة للطرق الزراعية في المنطقة الجنوبية، وعسير تحديداً؟ - ترسية المشاريع على بعض المقاولين في كل منطقة دون غيرهم؟ - منح المشاريع للمقاولين دون معرفة خبرتهم وقدراتهم على تنفيذها؟ - تكرار تجمعات مياه الأمطار في الأنفاق بمدينة الرياض؟ - ضَعف طرق النقل بين المدن، وأغلبها ضعيفة الخدمات، مليئة بالحفر والحوادث، والصيانة شبه مفقودة.. وعلى سبيل المثال المناطق الشمالية؟ - عدم تأهيل المهندسين السعوديين في الوزارة بشكل علمي صحيح؟ - عدم معالجة معوقات توطين الخبرات الهندسية التي تواجه إدارة المشاريع والإدارات الهندسية في القطاع الحكومي؟ - عدم معالجة إشكالية رخص الحافلات القديمة، أو ما يُعرف بحافلات "خط البلدة"، التي لا ترقى إلى مستوى الخدمة، ومع ذلك تستمر تجوب شوارعنا كل صباح ومساء؟
- ذكرتَ في أحد تصريحاتك الصحفية "سندعم المقاول الذي يتولى مشاريع الوزارة بإعطائه فترة وفرصة قصيرة، يستطيع فيها تعويض ما فاته من تأخير؛ فسحب المشروع لا يتم إلا للمصلحة العامة". والسؤال هو: أليس من المصلحة العامة مراقبة تنفيذ المشاريع، ومحاسبة المقصرين من إداريين ومقاولين ومنفذين ومهندسين؟ أليس من المصلحة العامة وجود نظام للغرامات والعقوبات، يُفرض على الشركات المتعثرة في مشاريع وزارتك؟
- وإن كان الله سبحانه وتعالى قد نجاك قبل 4 سنوات، والوفد المرافق لك، من حادثة الارتطام بشاحنة أثناء قيامك بزيارة "رأس الزور، والخفجي" فتأكد أن هناك حوادث مؤسفة كثيرة، لم ينجُ منها المواطنون؛ بسبب رداءة الطرق في تلك المنطقة؛ فماذا فعلت لتحسين أوضاع الطرق الرئيسية والثانوية والفرعية في تلك المنطقة التي جربت خطورتها بنفسك؟
فيا معالي الوزير الدكتور.. لقد أصبح النقل، والمواصلات، والطرق الحديثة حاجة تنموية ملحَّة للمجتمع، وليست ترفاً حضارياً؛ فاحرص - رعاك الله - على كثير من العمل، والعمل، ثم العمل؛ فالمسؤولية كبيرة، وخدمات النقل تتراجع كثيراً عن تطلعات واحتياجات الوطن، ونتمنى من وزارتك الموقرة سرعة تطبيق قرارات مجلس الوزراء الخاصة بتفعيل شبكة الخطوط السريعة، وبناء الجسور، وحفر الأنفاق، ومد الطرق الدائرية وصيانتها حول المدن وبينها، وأن تنفَّذ بجودة عالية مع توفير وسائل نقل حديثة داخل المدن ك"المترو"، والحافلات المكيفة، وسيارات الأجرة الحديثة ودعمها بالخدمات العامة المساندة لها، وأبعد عنها "فاسدي النقل" وخائني الأمانة، وبائعي الضمير.. ولا تركن - أثابك الله - إلى تقرير دولي "مجهول"، جانبَ الحقيقة؛ وصنف طرق السعودية في المرتبة ال12 على مستوى العالم من حيث الجودة؛ فهذه طرقنا التي نستخدمها باستمرار، ونعرف مدى جودتها أكثر من غيرنا، وإن لم تستطع - رغم مضيّك عقداً من الزمن في المنصب - فاشرح لنا مشكوراً معوقات ذلك، ولك الأجر والمثوبة.. ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.