أكد الدكتور محمد بن يحيى النجيمي الخبير في مجمع الفقه الإسلامي والأستاذ في المعهد العالي للقضاء أن "البراءة من المشركين" بدعة محدثة لا أصل لها في الحج, لا في الأركان ولا في الواجبات ولا في الشروط, ولم يقل بها أحد من العلماء ولا الفقهاء. وطالب الدكتور النجيمي في حديثه ل"سبق" الحجاج بالإلتزام بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والإلتزام بالنظم وأداء المناسك بيسر وسهولة.. وفيما يلي نص الحوار مع الدكتور النجيمي: *ما المراد بالبراءة وما أنواعها؟ - البراءة في اللغة هي الأعذار والإنذار, وفي التنزيل العزيز (براءة من الله ورسوله), أما في الإصطلاح فالبراءة ثلاثة أنواع, الأول براءة سياسية, وهي التي تتحدث عنها سورة التوبة, لأن فيها نقضاً للمواثيق وإعلاناً للحرب والقتال والأعذار لأسباب كانت من المشركين, الثاني: براءة عقدية, وهي الكراهية للفعل القبيح أو الفعل السيئ, أي عدم الموالاة للكفار في أفعالهم القبيحة والسيئة, والأصل في ذلك قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة). سورة الممتحنة. والنوع الثالث: براءة فقهية وهي قول الفقهاء, والأصل براءة الذمة, ويقصدون بذلك أن ذمة كل شخص بريئة غير مشغولة بحق الآخر, لأن كل شخص يولد وذمته بريئة. * وأيهما أعم وأشمل البراءة السياسية أم الفقهية أم العقدية؟ - البراءة السياسية أعم من البراءة الفقهية والعقدية, لأنها إضافة إلى عدم الموالاة في البراءة العقدية, والخلاف الذي في البراءة الفقهية تستدعي كذلك نقض العهد, وإعلان الحرب, إذا نقض الآخرون عهودهم. * هل للبراءة أصل في الشريعة الإسلامية؟ - ليس للبراءة التي ينادي بها الإيرانيون أصل في الشريعة الإسلامية؛ ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر على الحج في العام الثامن الهجري, ثم أرسل معه علياً ليقرأ البراءة على المشركين في مكة, فقال أبو بكر أمير أم مأمور مخاطباً علي رضي الله عنهما, فقال: أنت أمير وأنا مأمور, ثم قرأ علي رضي الله عنه البراءة يوم النحر, فقال "يا أيها الناس لا يدخل الجنة كافر, ولا يحج بعد العام مشرك, ولا يطوف بالبيت عريان, ومن كان له عهد مع رسول الله فهو إلى مدته". والسبب في اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم ليس لأنه فترة حج، بل لأنه كان مكاناً تتجمع فيه القبائل العربية المسلمة والمشركة, والدليل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حج عام 10الهجرة خطب الناس بعرفة, وخطب يوم النحر, ولم يعلن البراءة من المشركين, ولو كانت واجبة في الحج, ما تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي, وسائر الحكام والعلماء, ولم نسمع أن أحداً منهم ذكر البراءة من المشركين, ولو كانت واجبة أو سنة ما تركها أحد من هؤلاء. * وهل وردت البراءة في الحج في المذاهب الإسلامية؟ - مصادر التشريع عند جميع المسلمين والمذاهب المختلفة هي النص ثم الإجتهاد فيما لم يرد فيه نص, ولم نسمع أن أحداً من العلماء جعل البراءة ركناً أو واجباً أو سنة في الحج, ولو رجعنا إلى أركان الحج وواجباته وسننه, لم نجد أن البراءة بينها, وكذلك في المذاهب المالكي والشافعي والحنبلي والظاهري والزيدي والأباضي والجعفري, فلو رجعنا إلى كتاب عند الشيعة "المقنع" أو كتاب شرائع الإسلام للجعفري, أو ما يحضره الفقيه للشيخ الصدوق أو أبو القاسم الحلي في "مختصر النافع في فقه الأمامية", وغيرها من كتب الشيعة لوجدنا أن فرض الحج الإحرام والتلبية والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة, وشهادة الموقفين وما بعد ذلك سنن بعضها أوكد من بعض. * أي أن البراءة ليست ركناً ولا شرطاً؟ - لم نجد البراءة لا في الأركان ولا في الشروط ولا في السنن في الحج ومن ثم فهذه بدعة في مختلف المذاهب الثمانية المعروفة. *وماذا عن الجانب السياسي في الحج؟ - لو أتينا إلى الجانب السياسي في الحج لوجدنا أن الفقهاء الذين تحدثوا في الجانب السياسي في الحج, لم يتعرضوا لمسألة البراءة من المشركين في الحج, ومن شاء فليرجع إلى الأحكام السلطانية للمواردي, ثم لو رجعنا إلى مصنفات أئمة الدين في المذاهب المختلفة من المفسرين والمحدثين والفقهاء وغيرهم كالأئمة الأربعة والفقهاء السبعة, وغيرهم من أئمة التفسير والحديث لوجدنا أنهم لم يذكروا البراءة من المشركين في أعمال الحج. * لماذا إذاً تثار هذه القضية؟ - نقول بكل صراحة وقوة إن مسألة البراءة من المشركين في الحج من البدع المحدثة, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" الحديث. * وبماذا تقولون لمن يتنادى بها؟ - نهيب بالحجاج جميعاً أن يمتنعوا عن هذه البدعة المنكرة ولا يستمعوا لمن يطلق العنان لأقوال لم ترد عن رسول الله ولا عن صحابته ولا عن العلماء والفقهاء, كما نرجو من الجميع الإلتزام بالتعليمات والنظم وأن يتقوا الله ويؤدوا المناسك بكل يسر وسهولة, كما نرجو من العلماء والفقهاء في العالم الإسلامي أن يوضحوا للمسلمين حقيقة هذه الدعوات المنكرة ويحذروا منها.