تحولت شوارع جدة الفرعية إلى ورش عمل لتنفيذ مرحلة الخطوط الفرعية من المنازل إلى الخطوط الرئيسة في شبكة الصرف الصحي، والتي ستدخل الخدمة قريبا وتتوقف حركة «وايتات» الصرف الصحي (الصفراء)، التي اعتاد عليها سكان العروس وهي تشفط مياه الصرف بعد منتصف كل ليلة. المشروع الكبير أسعد الناس، الذين أملوا أن معاناتهم ستنتهي وستقضي الشبكة الجديدة على طفح مجاري المياه في الشوارع التي كانت تعاني منها في السابق، ولكنه كشف مستور باطن الأرض، عندما توقفت بعض التوصيلات أمام المنازل بعد عمليات الحفر، إذ أن المنفذين اصطدموا بكارثة تخفيها التربة، وتهدد المساكن بالانهيارات، لاسيما أن بحيرات في باطن التربة ظهرت إلى السطح بمجرد الحفر؛ مما استدعى ردمها السريع تفاديا لتفاقم مشكلة الطفوحات وعودتها مجددا في الشوارع وتحولها إلى انهيارات في المباني. البعض تذمر من الوضع، متناسيا أنهم السبب الرئيس في حفر الآبار أمام منازلهم بشكل مخالف؛ تفاديا لسحب مياه الصرف الصحي من «البيارات» طيلة تلك الأعوام الماضية، وعمدوا إلى معالجة الوضع في حينه بتلك الآبار للتصريف المؤقت، ولكن كثرتها أعاقت التوصيلات الآن، وأوجدت مشكلة حقيقية تستدعي معالجة جذرية. كما أن خلافات نشبت بين بعض الملاك والمنفذين لتلك المشاريع ممن يريدون الحفر والتوصيل، الأمر الذي لا يمكن حله إلا بسحب المياه وردم الآبار وإعادة تهيئة الشوارع لوضعها الطبيعي بعد إزالة الطبقات الأسفلتية التي باتت مكشوفة ومزعجة للمارة. آثار تلك المياه في باطن الأرض لم يقتصر على إيقاف التوصيلات المنزلية لشبكات الصرف الصحي الرئيسية بل على توقف جميع شبكات الخدمات الأخرى التي قد تتآكل أو تتلف. فسكان العروس يعرفون تماما أن مدينتهم تملك مواصفات المدينة العالمية السياحية الجاذبة، ويعون أيضا أن هناك مشكلة حقيقية في تشويه «الوايتات» الصفراء لشوارعها، وتلويث طفوحات المجاري لجمال هذه المدينة الأخاذ، ويعلمون أيضا أن جداول زمنية كثيرة وضعت لمعالجة هذه المشكلة وقد أعلن أمير منطقة مكةالمكرمة عن حل المشكلة في خمسة أعوام، وقبله ذكر الراحل الدكتور غازي القصيبي أنه سيخوض هذا التحدي خلال فترة مماثلة، ومع ذلك لا بد لأهالي العروس أن يعرفوا أنهم كانوا جزءً من مشكلة مدينتهم ولا بد أن يستوعبوا أن المشكلة تفاقمت كثيرا، ولم يصبح بطء تنفيذ المشاريع هو العائق الوحيد الآن أمام إنقاذ المدينة من الطفوحات ومن «الوايتات الصفراء»، ما حدث في جدة يقرع ناقوس الخطر، ويبعث برسالة إلى الجميع: «لا تجعلوا مصالحكم الخاصة تتسبب في ضرر بالمصلحة العامة ستدفعون، لأنكم ستدفعون ثمنه يوما ما»، وجدة شاهد حقيقي على ذلك.