معظم المحاكم في العالم تأخذ بنظام التسجيل المرئي والصوتي لوقائع الجلسات القضائية على كافة أنواعها ودرجاتها انطلاقا من مبدأ علانية الجلسات ولمزيد من الشفافية والتأكد من جودة الخدمة العدلية المقدمة للجمهور، وكانت هناك مطالبات، ومازالت، بأن يطبق النظام القضائي في المملكة تلك الآلية، بحيث تصبح كل الجلسات القضائية مسجلة بالصوت والصورة، وذلك لتحقيق عدة مميزات، أولها القدرة على الرقابة الصارمة من قبل التفتيش القضائي على أداء القضاة والالتزام بالمعايير القضائية والقانونية، فتطبيق هذه التقنية سيسهل عملية التفتيش ويختصر وقتها، فبإمكان المفتش القضائي أن يختار بشكل عشوائي أياً من الجلسات المسجلة بالنظام ليقيم أداء القاضي بشكل دقيق وتكون أحد المراجع في عمليات ترقية القضاة أو نقلهم لمحاكم معينة، فتلك التقنية ستظهر الإمكانيات الحقيقية للقاضي ومدى احترافيته من على منصة القضاء. والميزة الثانية لتطبيق تلك التقنية رصد المخالفات والتجاوزات القانونية التي قد تقع من أطراف الدعوى أو من المحامين أو حتى من القضاة، لأن ليس كل ما يدور في مجلس القضاء يتم تدوينه في الضبط (مع أن هذا الأصل) لذا يأتي نظام الضبط المرئي والصوتي مرجعا عن نشوء أية شكاوى من أي طرف في الخصومة القضائية. كما يمكن الاستفادة من تلك التقنية في عمليات تدريب القضاة الجدد من خلال انتقاء مجموعة من الجلسات القضائية لقضاة متميزين ليستفيد منها القضاة الجدد في مهنية إدارة الخصومة القضائية. وباعتقادي أن أهم ميزة لتطبيق الضبط الصوتي والمرئي للجلسات القضائية هي قدرة المسؤولين في المؤسسة القضائية على مراقبة أداء المحاكم بشكل عام ورصد المشكلات والمعوقات ومراقبة بطء الإنجاز الذي أصبح ظاهرة في المحاكم، لأن الاكتفاء بمراقبة أوراق ضبط الجلسات ليس كافيا لتقييم العملية القضائية، وإنما الأهم من ذلك هو قدرة القاضي على إدارة الجلسة بشكل محترف، وهذا لا يمكن رصده من خلال الضبوط الكتابية التي قد ينجزها قاض في عشرين دقيقة وآخر في ساعتين، والفارق بينهما هو المهنية والاحترافية التي تظهر للمفتش ببساطة من خلال مراقبة أداء القاضي أثناء الجلسة وسيطرته على كل تفاصيلها. إن تطبيق هذه التقنية سيرفع من جودة الخدمة ويدفعنا إلى الأمام في طريق الانعتاق من الجمود والتقوقع، وسيعمق فكرة الشفافية والتقييم المستمر وكل ذلك يصب في خلق مؤسسات قضائية تتواءم وطموح هذه الدولة في التطوير والتحديث.