حين احتلت إسرائيل قرية أم الرشراش التي أصبحت فيما بعد «إيلات» عام 1949 كان الخطر داهما على الأمن القومي، ولم يكن هناك من حل سوى استعارة جزيرتي تيران وصنافير من السعودية ووضعهما تحت الإدارة المصرية. اللواء إبراهيم محمود أول ضابط مصري يتولى إدارة الجزيرتين التقته «عكاظ» في منزله في الإسكندرية، إذ روى تفاصيل ما حدث بذاكرة حديدية رغم سنوات عمره التي تقترب من المائة (97 عاما)، قائلا: سافر وفد مصري إلى المملكة ولم تكن هناك في ذلك الحين هواتف متقدمة، والتقى الملك عبدالعزيز الذي تفهم الوضع وأصدر أوامره بقوله «سلموا الجزيرتين لأخونا فاروق».. تفاصيل مثيرة تختزنها ذاكرة حديدية نتابعها في هذا الحوار مع اللواء إبراهيم محمود. • كنتم أول من كلف بإدارة جزيرتي تيران وصنافير، وأنت صاحب مشروع تأمين الملاحة في خليج العقبة، وهو المشروع الذي أدى إلى الجدل الدائر حاليا، عقب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وإعادة ملكية الجزيرتين إلى السعودية.. ماذا حدث في ذلك الحين؟ •• بالفعل كنت أول ضابط جيش مصري بحري برتبة نقيب «يوزباشا» يكلف بتأمين الجزيرتين، وذلك بنهاية عام 1949، وحدث أن استولت إسرائيل في ذلك الوقت على قرية «أم الرشراش» التي حولتها لاحقا إلى «إيلات»، وأحسسنا الخطر الداهم، إذ كان بإمكان إسرائيل بعد السيطرة على أم الرشراش أن تستولي على خليج العقبة، وفكرت على الفور بضرورة حرمان إسرائيل من استخدام خليج العقبة وغلقه، وكنت في زيارة للمنطقة، ووجدت الجزيرتين، وكان معي ضابط يدعى «سليمان عزت»، فسألته عن اسميهما فقال لي «تيران» و«صنافير» وهما تتبعان السعودية، وبعدها قمت بعمل تقارير وخرائط عن أهمية الجزيرتين للحفاظ على الأمن القومي، وأكدت ضرورة استعارتهما من المملكة ورفعت بذلك إلى قيادة القوات المسلحة، وبالتحديد إلى «حيدر باشا» القائد العام الذي بدوره عرضها على الملك فاروق، فأرسل وفدا إلى المملكة لعرض الأمر على المغفور له الملك عبدالعزيز لعدم وجود هواتف في ذلك الوقت، وبعد معاهدة «كامب ديفيد» عقب انتهاء الحرب بين مصر وإسرائيل، وضعت الجزيرتان ضمن المنطقة (ج) المدنية التي لا يحق لمصر أن يكون لها أي وجود عسكري فيهما، والجزيرتان هما الأكبر بين عدة جزر، «تيران» 80 كم2 و«صنافير»33 كم2. • نريد تفاصيل حكاية الوفد الذي أرسله الملك فاروق إلى الملك عبدالعزيز يطلب فيه أن تتسلم مصر الجزيرتين السعوديتين، وماذا كان رد الملك عبدالعزيز نصا؟ •• كلف الملك فاروق في ذلك الوقت إسماعيل شيرين زوج شقيقته الملكة فوزية- كونه كان يثق به- على رأس عدد من الضباط بالسفر لمقابلة الملك عبدالعزيز وشرح خطورة الموقف، ولم يتردد الملك عبدالعزيز لحظة، وقال «سلموا الجزيرتين لأخونا فاروق»، ولولا المحبة والأخوة بين الجانبين لما نجحت مصر في استعارة الجزيرتين. • في رأيكم القاطع هل الجزيرتان سعوديتان؟ •• بوضوح تام الجزيرتان تتبعان السيادة السعودية، وقد تركتهما المملكة تحت الوصاية المصرية بسبب الحرب مع إسرائيل، وللشهادة والتاريخ أقول: «الجزيرتان سعوديتان» وطبقا للآية الكريمة «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها»، ومستعد للشهادة في أي مكان سواء في البرلمان أو غيره لأوكد أنهما سعوديتان طبقا للخرائط والأوراق والتاريخ. • ما المستندات والخرائط والأوراق التي لديكم التي تؤكد تبعية الجزيرتين للمملكة؟ •• قمنا بتسليم كل ما لدينا من أوراق ومستندات في ذلك الوقت للقيادة العسكرية، والرئيس عبدالفتاح السيسي رجل وطني حتى النخاع، لا يمكن أن يتنازل عن شبر من أرض بلده من دون حق، والعلاقات بين البلدين علاقات إستراتيجية قوية منذ فجر التاريخ، ولا يستطيع أحد أن يعكر صفوها على مر السنوات. • البعض يشير إلى اتفاقية ترسيم الحدود 1906 لإثبات تبعية الجزيرتين لمصر؟ •• هذا كلام ليس منطقيا، ولا توجد أي دلائل أو وثائق أو خرائط تؤكد أن مصر تملك الجزيرتين، فأنا شاهد عيان، وأقولها كلمة حق: «الجزيرتان سعوديتان 100 %، وأي كلام غير ذلك باطل ولا أساس له من الصحة، ومن يردده يريد الإساءة للعلاقة المتميزة بين البلدين، ومن لديه أي ورقة تثبت غير ذلك فليظهرها». • لماذا توجد في مصر تحديدا أراض تختلف إدارتها عن السيادة عليها؟ •• هذا كلام جيد، ولكن الاستعمار هو من زرع ذلك في الدول العربية، وهناك خلاف بين عدد من الدول العربية في تقسيم الحدود، فهناك خلاف بين مصر والسودان، وبين المغرب والجزائر، وبين دول عربية أخرى، ويجب حل تلك الخلافات بالطرق الودية. • هل استعانت بكم الدولة كخبراء قبل تقسيم الحدود بين البلدين؟ •• البلدان بهما الكثير من الكفاءات القادرة على تقسيم الحدود، وإذا تمت الاستعانة بنا، فنحن جنود نلبي الطلب في أي وقت. لا حاجة للتحكيم الدولي • بعض المعترضين اقترحوا لجوء مصر للتحكيم الدولي في قضية «تيران وصنافير».. ما تعقيبك؟ •• كما أوضحت سابقا، هناك الكثير ممن يريدون تعكير صفو العلاقات بين البلدين، وأقول لهم لا يوجد أي خلاف على ملكية المملكة للجزيرتين، وبالتالي على أي أساس تلجأ مصر للتحكيم الدولي، فالطرفان متفقان على أنهما سعوديتان، وبالتالي مصر وافقت على تسليم الجزيرتين لأصحاب الحقوق، والتحكيم الدولي يتم اللجوء إليه عندما يكون الأمر محل نزاع، وهذا غير موجود.