لا أحد يعرف على وجه الدقة، أين مضى تمساح الأربعين الشهير بعدما انتزعه غواصون نزعا من ملجئه الأثير في قلب جدة، إذ اختار الزاحف العملاق مسكنه في البحيرة الآسنة التي خضعت لأكثر من عملية جراحية على يد أمانة جدة بغرض تطهيرها وتنظيفها، ربما لتعود منتزها للجداويين ممن بحثوا، بلا طائل، عن شواغر على الشواطئ شمالا في أبحر وجنوبا في الكورنيش الجنوبي، فارتطمت رغباتهم بزحام الشمال وظلام شوارع الجنوب. كيف وصل الزاحف النيلي العملاق إلى البحر الأحمر؟، سؤال ألقاه أكثر من خبير، ولم يضف السؤال غير مزيد من الحيرة على أهل جدة الذين استيقظوا صباحا على كائن غير مألوف زاحمهم في الشوارع المكتظة وضجيج الأسواق المخملية. التمساح العشاري عند النيليين في أفريقيا هو الزاحف الأكثر خطرا على الإنسان، إذ يصل طوله إلى أكثر من 10 أمتار، ويعود الاسم إلى تلك الأذرع العشرة التي يستخدمها في اصطياد خصومه من البشر، وسجلت مضابط شرطة أفريقيا أسماء ضحايا وجدوا أنفسهم طعما شهيا لتلك الزواحف العملاقة، ومع ذلك لا يأنف بعض الأفارقة في تناول لحم التماسيح مقليا ومشويا أو مسلوقا!. تمساح البحيرة.. أجبر أمانة جدة، في العام 2009، على تسليط مصابيحها على ذلك المربع الشهير، القريب من المنطقة التجارية، وزادت المصابيح أكثر جهرا، حينما ابتلعت البحيرة أبرياء، قادتهم الصدف إلى محاولة عبورها، وأمضى الغواصون ساعات في البحث عن من ابتلعتهم البحيرة وسط ترقب تمساح آخر ربما فضل البقاء، إلى حين، بعد اصطياد رفيقه. وللمكان ارتباط وجداني مع سكان جدة القدماء، إذ حملت اسم بحيرة الطين، إذ ظلت مصدرا للطين الذي شيد به أغلب بيوتات جدة القديمة، وكان له متعهدون يستخرجونه ب«الهوارة» ويكوم معجونه هرميا ثم يأتي معلمو البناء لشرائه ويخلطونه بشيء من العسل الأسود أو الدبس لزيادة تماسكه!. حين فاحت روائح البحيرة كريهة الرائحة، بحثت الأمانة في ذلك العام عن أيسر الحلول، جاءت بمراوح عملاقة لتهوية المياه وتلطيف محيطها، وهو الحل الذي انتقدته جمعية علوم البيئة بشدة، فالمراوح التي قد تنجح في منع الروائح ستفشل حتما في تطهيرها من مخلفات الصرف الصحي. ظرفاء جدة وجدوا فرصة لإطلاق التعليقات الذكية، في مقترح المراوح، أحدهم أوصى بجهاز «واي فاي» لتماسيح البحيرة لتمكينها من التواصل مع رصيفاتها في مصر والسودان..، غير أن الذي فات على كثيرين أن التماسيح نفسها تبعث روائح غير مستحبة، وفي أفريقيا مثلا يعرف الصيادون مخابئها من روائحها.. وطبقا لأقوال المحيطين بالبحيرة العريقة فإن المضخات والمراوح المضادة للروائح توقفت منذ فترة دون أن تتحرك أية جهة. أما التمساح الشهير، فإن آخر ظهور له كان في أحد أجنحة نادي الإبداع العلمي، إذ وصل في عمق صندوق زجاجي، بعدما عمل خبراء على تحنيطه وتحويله إلى مومياء، ربما يروي للأجيال القادمة أسرار وتاريخ البحيرة.. وروائحها!.